لم يكن دار الحبس في زمنه صلى الله عليه وسلّم وإنَّما كانوا يشدون بسارية من سواري المسجد ثم بناه عمر رضي الله عنه.
٤٦١ - قوله:(عِفْريت) سركش طاغ.
قوله:(تَفلَّتَ عليَّ) وفي مصنَّف عبد الرزاق: أنَّه كانَ في صورة الهرة، وفي كتاب «الأسماء والصفات» للبيهقي: أنَّه تقدَّم إليه بِشُعْلَةٍ من نارٍ في وجهه صلى الله عليه وسلّم.
قوله:(ليَقْطع عليَّ الصَّلاة) إما بالمرورِ بين يديهِ أو إلجائِهِ إلى العملِ الكثير، واختارَهُ في «أحكام المُرجان» للقاضي بدر الدين الشِّبْلي وهو تلميذ الذهبي عالمٌ جليل القدر، إلا أنَّه توفي في شبابه فلم يُشْتَهر بين الناس وَكَتَبَ ترجمتَه أستاذُهُ؛ والقَطْع على الأول على معناه الحقيقي، فإنَّك قد عَلِمت أنَّ بين المُصلِّي وبين ربه جل وعلا وصلة المناجات، فإنَّ المصلي يناجي ربَّهُ، وإنَّ رَبَّهُ بينه وبين القِبْلَة، وإنَّ الرحمةَ تواجِهُه كلُّها عبارة عن تلك الوِصلة، فإِذا مرَّ بين يديهِ فقد قَطَع تلك الوَصْلَة حقيقة، وليس القَطْع بمعنى قَطْع الخُشوع ولا بمعنى الفساد كما حَمَله أحمد رحمه الله في مرور الكلبِ، قال الترمذي في باب ما جاء أنَّه لا يقطعُ الصَّلاةَ إلا الكلبَ والحمارَ والمرأةَ، قال أحمد رحمه الله: الذي لا شك فيه أنَّ الكلبَ الأسودَ يَقْطَعُ الصَّلاةَ، وفي نفسه من الحمارِ والمرأةِ شيء.
قلتُ: وذلك لأنَّ فيهما عِنْدَهُ حديثًا، أما في المرأةِ فما روتْهُ عائشةُ رضي الله عنها «أنَّها كانت تعترض بين يدي النَّبي صلى الله عليه وسلّم اعتراض الجنازة وهو يصلي»، وأما في الحمار فحديث ابن عباس «أنَّه جاء على أتان وأرسلها تَرْتَع بين أيدي المُصلين» وأما الكلب فليس عنده شيء يخالفُ حديثَ القَطْعِ فأبقاه على عمومه، والقطع على الشرح الثاني بمعنى الفساد فإنَّه إذا اضطرَّهُ إلى العمل تَفْسد صلاتُهُ لا محالة.
قوله:(لا ينبغي لأحدٍ من بعدي) واعلم أنَّ المشي في الدعاء والنَّذر يكونُ على الألفاظِ لا على الغرض. والمعنى كما يدل عليه ما في «مسند أحمد»: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم خَرَجَ مرةً من عند عائشةَ رضي الله عنها وقال: «قطع اللَّهُ يديك»، أو كلمة مثلها، فلمَّا رجع رأى يديها شُلتا، فسأل ما بالُ يديها قالت: هي كذلك منذ قلت ما قلت إلخ، أو كما قال. مع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لم يُرِد به قَطْعَ يديها حقيقة، ولكن مشى التكوينُ على عموم ألفاظه فاعلمه، ومن ثمرة دعائه تسخير الجن، ولا بحث للبخاري بكونه جنًا أو غيره فاسْتَدلَّ به على الأسير مطلقًا.
واعلم أنَّه قد بَيّنّا لك في المقدمة أنَّ العامَّ ظني عند ما وراء النهرين مِنْ أصحابِنَا وهو مذهبُ الجمهور، ولا يقومُ حجة ما لم تَتَّصِل به قرائن مِنْ خَارج، فإِذَا وَرَدَ خاصٌ في موضع وشَمِلَه العام أيضًا وتعارض في الحُكْمَين لا يُعتدُّ بهذا العام أصلا ويكون الحكم حكم الخاص،