فاختار أنه فرضٌ واعلم أن التكبير بمعنى الذكر المُشْعِر بالتعظيم فرضٌ عندنا أيضًا أمَّا صيغة: الله أكبر بخصوصها، فقال بعضُ أصحابنا إنها سنةٌ، وذَهَب الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى إلى أنها واجبٌ، وقوَّاه بدلائل، وإليه ذهب صاحب «البحر» و «النهر» وصاحب «تنوير الأبصار»، وهو متن «الدر المختار»، وهو الذي اختاره ابن أمير الحاج في «شرح المنية». واعلم أن ابن نُجَيْم أفقه عندي من الشَّامي لِمَا أرى فيه أن أمارات التفقُّه تَلُوح، والشَّامي مُعَاصِرٌ للشاه عبد العزيز رحمه الله تعالى، وهو أفقه أيضًا عندي من الشَّامي رحمه الله تعالى، وكذا شيخ مشايخنا رشيد أحمد الكَنْكُوهِي - قُدَّسَ سرُّه - أفقه عندي من الشَّامي.
أمَّا السلام: فقالوا إن أولَ التسليمتين واجبٌ، والأخرى سنةٌ، وهو الراجحُ عندي، لكونه
= ولمَّا عَلِمْتَ أن السرَّ في الحجِّ والصلاة كلاهما كان هو الدُّخول بصُنْعه، والخروج كذلك، جعل إمامنا الأعظم مُطلَق الذكر المُشعِر بالتعظيم فرضًا، وكذا الخروج بصُنع المُصَلِّي. وجَعَلَ الخصوص واجبا في الموضعين، فإن الخاصَّ مُتَضمِّنٌ، والمُطلَقَ مُتَضَمَّنٌ -بالفتح- فالنظر في الطرفين إلى الخروج بصُنعِه في العبادتين: الحج والصلاة، وذلك لأن المُطلَق لا بد لتحقُّقه من فِعل مخصوص ليتحقق في ضمنه، فعين له ما كان أحرى وأحسن له عند قيامه إلى الصلاة وخروجه عنها، وهو: التكبير في الأول، والتسليم في الآخر، كالإحرام في ابتداء الحج، والحَلقِ والذبح في الآخر، فإن الحلق يُؤذِن بأنه أزال تَفَثَه، وأراد أن يَنصَرِف إلى دنياه، كالتسليم في الصلاة ولذا قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] ... إلخ. فهذا هو السر في كون الخروج بصنع المصَلي فرضا لو كان عنده، وقد أدركه الكل في البداية، وذَهلوا عنه في النهاية، وسبق إليه إمامنا الأعظم، والله تعالى أعلم. هكذا فَهِمّت من كلام الشيخ في مواعِظه.