قلتُ: وأَخْرَجَهُ بعضُ المحقِّقين في شرحه على المنظومة في علم الكلام في تحقيق: أن العبدَ هل لقدرته تأثيرٌ بإذن الله، وتمكينه، وعونه، ومشيئته أو لا؟ فَذَكَرَ السِّحْرَ، وأنه مؤثِّرٌ، وإن لم يَكُنْ بالذات، وتمسَّك له بقوله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: ١٠]، فَيُفِيدُ أنه يَضُرُّهم شيئًا بإذن الله. ومن ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢]، وما دلَّ عليه الاستثناءُ ههنا منصوصٌ عليه في النحل: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} ... إلخ [النحل: ١٠٠]، ويُنَاسِبُه ما في "الدر المنثور" في سورة الصافات من قوله: وأخرج أحمد في "الزهد"، وابن أبي حاتم، وابن عساكر، عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما، قال: "إن الشيطانَ عَرَجَ إلى السماء، فقال: يا رب، سلِّطني على أيوب، قال الله: سلَّطْتُكَ على ماله وولده، ولم أسلِّطْكَ على جسده، إلى أن قال: فرنَّ إبليسُ رنَّةً سَمِعَها أهلُ السماء، وأهلُ الأرض. ثُمَّ عَرَجَ إلى السماء، فقال: أي رب، إنَّه قد اعْتَصَمَ، فسلِّطني عليه، فإنِّي لا أستطيعه إلَّا بسلطانك، قال: قد سلَّطْتُكَ على جسده، ولم أسلِّطْكَ على قلبه"، الحديث بطوله. ومن ذلك ما في "الدر المنثور" في سورة ص من قوله، وأَخرَجَ الحاكمُ، وصحَّحه، والبيهقيُّ في "شعب الإِيمان"، عن ابن عبَّاس قال: "ما أَصَابَ داود ما أَصَابَهُ"، فذكر الحديث بطوله. اهـ. فإن شِئْتَ تفصيلَ المرام، فراجع "الفوائد على القرآن" لمحقِّق العصر الشيخ شبير أحمد، صاحب "فتح الملهم". (١) قلتُ: ولم أجِدْه في "فتح القدير"، فلعلَّه ذَكَرَهُ في تصنيفٍ آخرَ له، أو كان أَخطَأ بصري، أو زَلَّ قلمي، فإنِّي لم أجِدْ فرصةً لمزيد التحقيق. فإذا وَجَدْتُ عبارةً في مسارح نظري بهذه العَجَلَةِ ذَكَرْتُهَا، وإن لم أجِدْهَا نبَّهت عليه، فَلْيُلْحِقْهَا المتيقِّظُ بموضعها إن وَجَدَهَا. ويمكن أن يكونَ في "التحرير"، أو في "الفتح"، في موضعٍ آخرَ. والله تعالى أعلم بالصواب.