اللَّهُ عنه عَهْدٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في عشرينَ ركعةً؟ فقال له أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لم يكن عمرُ رضي الله عنه مُبْتَدِعًا. وبقي الوِتْرُ ثلاثَ ركعاتٍ كما كان. ثُمَّ إنَّ أئمةَ المذاهبِ الأربعة قَلَّدُوه على كونِ التراويح عشرينَ ركعةً. وَمَنْ زاد عليها جعلها نَفْلا مُطلقًا وحالا انفراديًا يصلِّيها الرَّجُلُ لنفسِه. أمَّا العِشرون فوضَعُوا لها الجماعةَ.
١١٤٧ - قوله:(يُصلِّي أربعًا) ولا دليلَ فيه للحنفيةِ في مسألةِ أفضليةِ الأَرْبع، فإنَّ الإِنْصافَ خيرُ الأَوْصاف. وذلك لأنَّ الأَرْبع هذه لم تكن بسلامٍ واحدٍ، بل جمع الراوي بين الشفعين لِتَنَاسبٍ بينهما، نحو كونِهما في سلسلةٍ واحدةٍ بدون جلسة في البين، كالترويحة في التراويح، فإنَّها تكونُ بعد أرْبع ركعات. هكذا شرحه أبو عُمر في «التمهيد». وتشهدُ له رواثةٌ صريحةُ في «السنن الكبرى»(١) للبيهقي: «يصلِّي أربعًا ثُمَّ يتروح» ... إلخ. والحافظ رضي الله تعالى عنه مَرَّ عليه في موضعين ورآه كالجائزاتِ، وأخفى بهع صوتَه لأنه عَرَف أنه يفيدُ الحنفيةَ شيئًا، وقد عَلِمْتَ أنَّ عَمَله صلى الله عليه وسلّم إذا ثَبَت في الخارج بالتسليم بَيْنَهما، فلا تُمسُّك في هذا الإِجمال.
قوله:(ثُمَّ يصلِّي ثلاثًا) ولفظ «ثُمَّ» للتراخِي، وكانت هذه الثلاثُ بسلامٍ واحدٍ عندي. ولو ثَبَت عندي سلامُهُ صلى الله عليه وسلّم بعد ركعتي الوِتْر لَحَملْتُ هذه الثلاثَ على التسليمتين أيضًا كما قلتُ في الأَرْبع ولكنَّه صلى الله عليه وسلّم لم يَرْكع بركعةٍ واحدةٍ قط، فلم تحتملِ التسليمَ في البين. والله يعلم أني لا أتبع الهوى. ولكني حكمت بما أراني ربيّ وهو العلمي الخبير.
قوله:(تَنَامُ) إلخ .. ولعلها لم تعلم بعادتها في الوتر، فسألت عن نَوْمه قبل الوِتْر، فإنه
(١) قلت: وهذا صورة إسنادها: أنبأ أبو علي الرُّوذَبَاري بطُوس: أنبأ أبو طاهر المحمد آباذي: حدثنا السري بن خزيمة: حدثنا الحسن بن بِشْر الكوفي: حدثنا المعافى بن عمران، عن المغيرة بن زياد المَوْصلي، عن عطاء، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي أربعَ ركعاتٍ في الليل، ثُم يتروح، فأطال حتى رحمته. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد غفر اللهُ لك ما تَقَدَّم من ذنبك وما تأَخر، قال: أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ ". قال البيهقي تفرد به المغيرةُ بن زياد، وليس بالقويّ. وقوله: "ثُم يتروَّح"، إن ثَبَت فهو أَصْلٌ في تَروُّح الإِمام في صلاة التراويح. والله أعلم -ص (٤٩٧) ج ٢ - . قلتُ: لا بأس بضعف الرواية، فإنها تَكْفي لتعيين أَحَدِ المحتملات.