للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الواجب أيضًا عند تعارض الدليلين، يعني إذا تعارض الدليلان فاخترتَ الوجوب احتياطًا مثلًا، صَدَقَ قولُك إنك اخترت الأحوط على الواجب أيضًا. وأما إذا حُمِلَ قوله على الحكم، أي حكم الغسل أحوط، يعني: الأحوط له أن يغتسل، وإن لم يغتسلْ لا بأس، لأن الواجب فيه الوضوء لا غير، فحينئذ لا يكون لقوله وجهٌ، ويخالف الإجماع.

قلت: وإن فرضنا أنه أَلانَ الكلامَ واختار استحبابَ الغُسل، فلعله أوَّلَ قولَه صلى الله عليه وسلّم «إذا جاوز الخِتانُ الختانَ» أنه كناية عن الإنزال لخروج الماء بعدها في الأغلب، وحينئذ لا يكون الحديث المذكور عنده صريحًا في إيجاب الغُسل بالمجاوزة فقط، وإذا لم يَقُمْ عنده دليل على إيجاب الغُسل بمجرَّد المجاوزة أَلانَ في الكلام وقال: الغُسْل أحوط. ولذا لما أراد أن يُخَرِّج حديثًا يدلُّ على عدم وجوب الغسل بالمجاوزة بَوَّب عليه كما سيأتي: «باب غَسْلِ ما يُصِيب من فَرْجِ المرأة»، ونَظَرُه إلى إخراج الأحاديث كما ترى، إلا أنه أراد أن لا يُفْصِح بمراده احتياطًا، ولكنه وَجَّه الناظرين إليه فقط، فإن الموضع مُشْكِل، فأراد أن يُخَرِّج مادتَه من الأحاديث ومن أسماء الصحابة الذين ذهبوا إليه، ويشير إليه فقط ولا يتكلم بشيء.

ثم وإن رُوي عند مسلم في هذا الحديث: «وإن لم يُنْزِل» صراحةً لكنه ليس على شرطه ليكون عليه حِجَّة، وما كان على شرطه يَصْلُح أن يُجعل كناية عن الإنزال مع نقل الاختلاف فيه. فهذا وجه ما ذهب إليه البخاري واختيارُه لو كان اختاره. والله أعلم بالصواب.

والحاصل: أنَّ المسألةَ منفصلة، وإنما ذكرته بحثًا فقط ليظهر وجه ما للبخاري مع ورود هذه الصرائح في الباب.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>