ثم اعلم أن للصلاة بداية ونهاية ومَركزًا، فالبداية من التحريمة، فالذين أدركوا التحريمةَ هم السابقون السابقون، أولئك المقربون. وأما المركز الأصلي فالتأمين، فمن أدركه دَخَل في المغفرة، ومن فاته التأمين فغايتُه أن يُدرِك الركوع، فإن أَدركه فقد أَدرك الركعة بما فيها، غير أنه على نحو اغماض. ويُشترط أن يُحْرِم قائمًا ليحصل له نُبذةٌ من القيام وإِلَّا تَفْسُد صلاته. ففيه دليلٌ على أن قراءةَ الإِمام تُحْسَب عن قراءة المقتدي. فإنَّ أَمْر القراءةِ لو كان كالقيام لوجبت عليه القراءةُ في نفسه كما لزمه القيامُ بنفسه. ولم يُحسب قيامُ الإِمام له قيامًا بخلاف القراءة فإن مُدرك الركوع عُدَّ مِعْراج المؤمنين، مدركا للركعة بما فيها. وبالجملة لما اشتملت الصلاة على أسرار ودقائق يضيق عنها نطاق البيان قيل لها معراج المؤمنين فمعراجُ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بجسده المبارك، ومعراج الأولياء يكون بالروح، ومعراج عامّة المؤمنين الصلاة ولذا آخِرُ ما تكلَّم به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة وما ملكت آيمانكم". وهذا على لفظ أحمد، وأما عند البخاري فآخر ما تكلم به: "اللهم بالرفيق الأعلى". والتوفيق ممكنٌ بأَن يكون كلاهما آخرًا عُرْفًا. هذا آخِرُ الكلام ولله الحمد اللهم أمطر علينا شآبيب النعم واجعلنا مقيمي الصلاةِ ومن ذريتنا اللهم اجعلنا نعبُدك كأنا نراك أبدًا، وأَشْرب قلوبَنا حلاوةِ الإيمان، ولذاذة الإيقان وأمتنا على مِلتك وملة رسولِك، واحشرنا مع عبادك النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين.