أن الشيخ ابنَ الهُمام مرَّ في باب النفقة على لَفْظ الدِّرْع. وفَسَّرَهُ بما يكون الشِّقُّ فيه على المَنْكِبين، والقميص بما كان شِقُّه على الصَّدْر، حينئذٍ تَبيَّن لي وَجْه اختلاف التسمية في النوعين.
وعند الشافعية الكَفَنُ عبارةٌ عن ثلاثِ أرديةٍ سابغةٍ مِن القَرْن إلى القدم ولا فَرْق بينهما إِلا بالتسمية. فإِذن الشِّعارُ عندهم رداءٌ يلي الجسد، وعندنا هو قميصٌ من العنق إلى القدم كما عرفت. ثم لا يُخْفَى عليك أن القميص المعروف في بلادنا لا تكون فيها خِياطةٌ ولا تسمها إبرةٌ، إنما هو رداءٌ مشقوقٌ فقط، نعم يلبس به الميتُ كالقميص.
وفي كتب الفقه: أن قميص الميت كقميص الحي، إلا أنه لا يكون فيه دِخْرِيص، لأن الميتَ لا يحتاجُ إلى المَشي وغيره. ولم يصرح واحدٌ منهم أنه لا يخاط أيضًا، وظاهر كلماتهم أنه يُخاط، مع أن التعاملَ بخلافه، فلا أدري أنهم تسامحوا في التعامل فلم يخيطوه، أو تُسُومح في عباراتهم، فإن ظاهِرَها الخياطة. ومن ههنا علمت أن إطلاقَ القميصِ عليه لكون يُلْبس كالقميص، وإلا فهو رداءٌ مشقوق، وحينئذٍ لا تَرِد عليك الرواياتُ التي فيها نَفْي القيمص، لأنه يصح لك أن تقول: إنه رداء وليس بقميص، نظرًا إلى عدم الخياطة، وعدم الدِّخرِيص، ويصح لك أن تقول: إنه قيمص نظرًا إلى الشِّق واللِّبْسَة. فهذا تأويلُ هذه الروايات وإن كنتُ لا أرضى به. والصواب عندي أن تُحمل على ظواهرِها، فإِنَّ الخلاف في الأفضلية دون الجواز، وللفقيه أن يُرجِّح واحدًا منهما، وسيجيءٌ الكلامُ فيه.
ثم ههنا بَحْثٌ للشيخ ابن الهُمَام وهو: أَن الإِزار إذا كان اسمًا شرعيًا - وقد علم أنه للحيِّ ما يسترُ النِّصْفَ السافل، والرداء ما يسترُ النصف العالي - فمن أين أَخَذَ الفقهاءُ كونَها في الميت رداءين سابغين مِن القَرْن إلى القدم؟ أقول: وحاصِلُه التشديدُ في التسمية فقط، وليس بشيء، فإِنَّ العمل إذا فَشى بالرداءين من غير نكيرٍ فهو المراد، سواء سميتها بالرداء والإزار أو غير ذلك. والاتحاد في التسمية فقط لا يوجب أن يكون إزارُ الميت ورداؤه أيضًا كالحيّ، فإِنَّ اختلافَ اللِّبسة بينهما أَمْرٌ معروفٌ، والفاصل هو التعاملُ دون التسمية. فالذي لا بد للميت هو: الإِزار والرداء المعروفان فيه دون ما هو المعروف في الحيِّ، وغايته الكلام في التسمية، أي ينبغي أن لا يُسمَّى هذان الثوبان إزارًا ورداءً، لا أنه ينبغي أن يكون ثيابُ الميت كثيابِ الحيِّ الواحد في الأعلى، والآخر في الأسفل، فإِنه لم يعهد من ثياب الميت، كذلك ولم يَجْرِ عليه التعاملُ بذلك.
ولو نظر الشيخ رحمه الله تعالى إلى قوله:«وزَعَمَ أَنَّ الإِشُعَارَ الْفُفُنَهَا» لم يبحث هذا البحث، فإِنَّ المرادَ منه اللَّفُّ فقط. وكذا ما ذكره ابنُ سيرين رحمه الله تعالى من قوله:«أَنْ تُشْعَرَ ولا تُؤزَرَ» أي لا يُجْعَل مِثْلُ الإِزار بل يُلَفُّ به، فهم لا يريدون بالقيمصِ والإِزار أن يؤتى بتلك الثياب المهيأة مِن قَبْلُ ليلبس بها، ولكنهم أرادوا أن تؤتى بثياب يلبس الميت بها كما يلبس القميص والإِزار، ففيه هيأةُ الإِلباس لا عينُ هذا اللِّباس. ثم أنه ليس في الحديث إلا قوله:«أَشْعِرْنَها» أي اجعلنها شِعَارًا. أما إنه ما كيفيتها مِن كونها ساترةً للنِّصْفِ أو سائِرِ البَدَنِ فليس فيه أصلا.