والحاصل: أن قوله: "لم يقارف" بالقاف والراء والفاء من المقارَفة على صيغة المَبْنِي للفاعل، وأن المفعول هنا محذوفٌ وهو الذنب، أو امرأته وأهله، وقد زاد ابنُ المبارك عن فُلَيح: أراه يعني الذنب. ذكره البخاريُّ تعليقًا. ووصله الإِسماعيلي. وحُكي عن الطحاوي أنه قال: لم يقارِف تصحيفٌ، والصواب لم يقاول، أي لم ينازع غيرَه في الكلام لأنهم يكرهون الكلامَ بعد العشاء. كذا ذكره العسقلاني. انتهى ما ذكره القاري. ثم في شَرْحها للمحدِّث عبد الرؤوف المُنَاوي: وزَعْمُ الطحاوي: أن يقارف معناه لم ينازع غيرَه في الكلام لكراهة الكلام بعد العشاء بعيدٌ متكلف. وما تقرر مِنْ أن معنى يقارف يجامع هو ما في "النهاية"، وتبعوه، لكن في "جامع الأصول" أن معناه يُذْنب. وهو ما رواه البخاري عن ابن المبارك عن فلَيح تعليقًا، ووصله الإسماعيلي. ورواه أحمدُ عن شرَيح بن النعمان عن فُلَيح أيضًا. ويرجّح الأَول رواية البخاري أيضًا فى "تاريخه الأَوسط"، والحاكم: "لا يدخل القبرَ أحدٌ قارَف أهلَه البارحة". فتنحى عثمان، على أن دَعْوى أن معْناه لم يقارف ذنبًا فى غاية البعد إذ لا وَجْه لتخصيصه بالليلة، وقد قال ابن حَزم: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند المصطفى بأنه لم يذنب، نعم ما عُزي لعثمان ظاهر إن صحَّ ذلك عنه، وإلَّا فَوَجْه المنع أن الحديث العهد بالجِماع قد يتذكر ذلك فيذهل عما يُطلب من الإِلحاد وأحكامه. انتهى. وفي "عمدة القاري": "حُكي عن الطحاوي أنه قال: لم يقارِف تصحيف، والصواب لم يقاول، أي لم ينازع غيرَه الكلام، لأنهم كانوا يكرهون الحديثَ بعد العشاء. اهـ. قلت: وقد راجعت "مُشْكِل الآثار" للطحاوي فلم أجد فيه دَعْوى التصحيف كما يُحكى عنه. غير أني ما تفقهت كلامه فأنا آتيك أولًا بعبارته من مُشكِله لتفكر فيها، ثُم من عبارة "المعتصر" للقاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي لتستعين بها على فَهْم كلام الطحاوي، ثُم أذكر لك بعض ما فهمت من كلامه، قال الطحاوي فوجدنا المقارَفة قد تكون من المقاولة، وقد تكون من غيرها من الإِصابة، واستحال عندنا أن يكون أراد بذلك الإِصابة، لأنها مَنْ يصيبها مِنْ أهله غيرُ مذمومة. وقد تكون مِن المقاولة مذمومة، وكان الذين كان إليهم مرمة قَبْرها وإدخالها فيه من ذوي أرحامِها المحرمات، ولا نعلم كان منهم حينئذِ حاضرُ غير رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لأنه أبوها، وغير عمه العباس بن عبد المطلب، وغير مَنْ كان يمسها منه رحم محرم من قِبَل أمها وهو أخوها لأمها هند بن أبي هالة التميمي، ومَنْ عسى أن يكون بينهما وبينه حُرْمةٌ برضاع. فكان هؤلاء أولى الناسِ بإِدخالها قبرَها، واحتمل أن يكون فيهم سوى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كان بينه وبين أهله مقارَفة لم يحمدها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يحب لذلك أن يتولى من ابنته إلا مَنْ لم يكن ذلك منه إلخ. وفي "المعتصر" في إلحاد المرأة في باب الجنانز. قال: والمقارَفة قد تكون من المقاولة المذمومة، وقد تكون من غيرها من الإصابة، واستحال الثاني لأن إصابة الرجل أهلَه غير مذمومة، فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - عَلِم ممن كان يصحُّ له دخول قبرها مِن ذوي محارِمها أنه جرى بينه وبين زوجته في تلك الليلة مقارفَة من القول مذمومة فكره أن يتولى إدخالَ ابنته في قبرها، وأما ما فيه مِن قول الراوي فلم يدخل زوجها. يعني قبرها، فإن ذلك حَمَله قومٌ على أنه يحتمل أنه كان بينه وبينها قبل وفاتها في تلك الليلة هذه المقارفة. وهم الذين يذهبون إلى أن للزوج غَسلَ زوجته بعد وفاتها وإِدخالها قبرها، ومذهبُنا أنه لا يغسلها =