قوله تعالى:(ويربى الصدقات)، يعني أن الله يمحقُ رِبَاكم، ويعطي الرِّبا من جانبه على صدقاتكم، وهو إلى سبع مئة ضِعف، إلى ما شاء الله تعالى، فإن كنتم تحبون الربا، فخذوه عني، وتصدقوا في سبيلي وفسره العامةُ: أن الله تعالى لا يُبارِكُ فيما أخذتموه من الربا، وإنما يبارِكُ لكم فيما أنفقتم في سبيل الله. وليس بجيد عندي، بل مخُّ الآية هو النهي عن الربا المعروف، والحثُّ على أخذ الربا من عنده تعالى، فمن أخذه من الله فسيأكله رَغيدًا، ومن أخذه من الناس يقع في نهر الدم، ثم لا يقدرُ أن يخرج منه إلى قيام الساعة.
ومما ينبغي أن لا يُذْهلَ عنه أن نَظْم القرآنِ لا يؤدي المرادَ فقط، بل ينبِّهُ على الحقائق، ويرمُزُ إليها، فعلى المترجِمِ له بلغةٍ أخرى أن يراعي ذلك النظم، ثم ينظرُ إلى لغة أخرى، أنها هل تؤدي مُؤدَّاه أو لا، ومن لا يبالي بذلك ربَّما يُغيرُ المراد، حتى يوجبُ تغييرَ تلك الحقائقِ المرموزِ إليها؛ وإنما تُحس مضرَّتَه عند إلحاد ملحد. كما وقع في لفظ: التوفي والخلو، فإن الناس تسامحوا في بيان معناهما، فانبعث أشقاهم، وجعل يدَّعي أنه المسيح الموعود، بئست أمٌّ ولدته، ويا ليتها لم تلدْه.
قوله:(والله لا يحبُّ كلَّ كفارٍ أَثيم) ودَلالته على رفع الإِيجاب الكلي، مع أن المرادَ منه السَّلبُ الكلي. وتعرَّض إليه التَّفْتَازاني في «المُطَوَّل» فلم يؤد حقه (١).
١٤١٠ - قوله:(كما يُربي أحدكم فلوه)، ذكر فيه صورة التَّضعيف، يعني أنك إذا أنفقت في سبيل الله درهمًا، فالله تعالى يُربِّيْه لك حتى يكون رَبَّاه أضغافًا مضاعفة، فيضعفه شيئًا فشيئًا حتى يبلغَ يوم الحشر إلى هذا القدر، فهو كتربية الفَلُو، لا أنه يُضعَّف لك دُفعة واحدة، فافهمه،
(١) يقول العبد الضعيف: ولا أذكر عن الشيخ رحمه الله تعالى فيه شيئًا، فلعلي نسبتُه أنا، أو لم يذكره هو، ومضى. والله تعالى أعلم.