كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». أطرافه ١٤٢٧، ١٤٢٨، ٥٣٥٥، ٥٣٥٦ - تحفة ١٣٣٤٠
أي ينبغي له أن يتصدَّق، ويتركَ الغنى خلفه، وليس له أن يتصدقَ بكله، هكذا فهمه الشارحون.
أقول: وله معنى آخر أيضًا، وهو أن للرجل استظهارًا بالمال وإعانةً منه، فينبغي أن يتصدقَ بحيث لا يفوتُ عنه هذا الاستظهار (١).
قوله: (وهو رد عليه)، فالمصنف رحمه الله ردَّ جميعَ تصرفاتِ المديونِ من العتق، والهبة، والصدقة إذا لم يقض دينه.
قلتُ: إن كان مرادُه بالردِّ عدم القَبُول، فهو من باب الآخرة، فلا يكونُ في كلام المصنف دليلا على بطلان تلك التصرفات، فيجوز كون بعضها صحيحًا في الدنيا، مع كونه مردودًا في الآخرة، نعم إن كان مراده الردَّ باعتبار عدم الصحة، ففيه دليلٌ على بطلانها عنده لأن الصحةَ والبطلانَ من أحكام الدنيا، وفصَّل فيها إمامنا رحمه الله أيضًا، فراجعه من الفقه.
قوله: (يريد إتلافها)، يعني إنَّ السخاوةَ مع ركوب الديون ليس من النية الصحيحة في شيء، وإنما السبيل أن يقضي دَيْنه أولا، ثم ينفقُ ما شاء.
قلتُ: وهذا أيضًا ليس بمطَّردٍ، فإنَّ التصدقَ بجميع المال قد يعد محبوبًا، كما تصدق أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله، وإن كانت الضابطةُ العامةُ هي التصدق عن ظهر غنىً.
قوله: (إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله)، ولعله استشارةٌ لا نذر.
١٤٢٧ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ». أطرافه ١٤٢٦، ١٤٢٨، ٥٣٥٥، ٥٣٥٦ - تحفة ٣٤٣٣
١٤٢٨ - وَعَنْ وُهَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - بِهَذَا. أطرافه ١٤٢٦، ١٤٢٧، ٥٣٥٥، ٥٣٥٦ - تحفة ١٤١٦١
(١) وقد فسره الخَطَّابي، فقال: أي عن غنىً يُعتمد عليه، ويستظهرُ به على النوائب التي تنوبه، بقوله في حديث آخر: "خير الصدقة ما أبقت غنىً"!. قال التُّورِبِشتي: إنه عبارة عن تمكنِ المتصدقِ عن غنىً. وذلك مثل قولهم: هو على ظهرِ سير، وراكبٌ متنَ السلامة، وغير ذلك من الألفاظ التي يُعبر بها عن التمكن من الشيء. وإنما قلنا: عن غنىً إما لمجيئه منكَّرًا، وإنما لم يأت به معرَّفًا ليفيدَ أحد المعنيين في إحدى الصورتين، إما استغناؤه عما بُذل بسخاوة النفس، وقوة العزيمة ثقة بالله سبحانه، كما كان من أبي بكر رضي الله عنه، وإما استغناءً بالعَرَض الحاصل في يده، فبيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله هذا: إنه لا بد للمتصدق من أحد الأمرين: إما أن يستغني عنه بماله، أو يستغني عنه بحاله، وهذا أفضل اليسارين، وإنما الغنى غنى النفس. انتهى مختصرًا.