للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (ومن كفر) ... إلخ، أي لم يحج، وإنما عبَّرَ عنه بالكفر تهويلا، وعلى تعبير القرآن جاء حديث ابن ماجه: «فليس على الله أن يموتَ يهوديًا أو نصرانيًا».

١٥١٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِى الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ «نَعَمْ». وَذَلِكَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ. أطرافه ١٨٥٤، ١٨٥٥، ٤٣٩٩، ٦٢٢٨ - تحفة ٥٦٧٠ - ١٦٣/ ٢

١٥١٣ - قوله: (فجعل الفضل ينظر إليها)، واعلم أن الحجابَ عندنا داخلُ الصلاة وخارِجُها سواءً فجاز كشفُ الوجه والكفين عند أجنبي، بشرط الأمن من الفتنة. واختُلف في الرِّجلين، والفتوى على الحجاب مطلقًا، وذلك لانقلابِ الزمان، وظهورِ الفتن. وإنَّما صرفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وجه الفضل احتياطًا، كما هو المذكور في الحديث.

قوله: (إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت شيخًا كبيرًا)، واعلم أنهم اختلفوا في وجوب الحج على المعْضُوب. فقيل: يجبُ عليه إذا مَلك الزادَ والراحلَة، ومُؤنَة من يرفعُه ويضعُه ويقودُه إلى المناسك. وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة. وهو قول الشافعي. وقيل: لا يجبُ وهو المشهور عن إمامنا. فقيل (١): معنى الحديث: أن الحج فرضٌ على الناس، فأدرك أبي أيضًا زَمَنَ افتراض الحج. وراجع التفصيل من «فتح القدير».


= يحلَّ له إلا ساعة من النهار، فرأى أن يبعث الناسَ إلى الحج. وينادي في أهل الموسم أن لا يَحُجَّ بعد العام مشرك، ليكون حجُّه خاليًا عن العوارض التي ذكرناها. وقد ذكرنا لذلك وجوهًا غيرها في "كتاب المناسك"، واكتفينا ههنا بالقول الوجيز ايثارًا للاختصار "من باب قصة حجة الوداع".
قلت: لعل التخليطَ إذا بلغَ مبلغًا، لا يمكن رفعُه، وعمت به البلوى، فالمرجو من الله تعالى أن يعتبره أيضًا نحوًا من الواقع، فإنَّ فقهاءنا قد اعتبروا بالشهادة على الوقوف، قبل يوم عرفة. وأما إذا شهدوا بالوقوف بعد يوم عرفة فلم يعتبروها، وذلك لأن التلافي ممكن في الصورة الأولى، دون الثانية. ومن هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت وجبت" في الجنازتين، مرتا عليه واحدة بعد أخرى، فكأن شهادةَ الصحابة اعتُبرت فيهما على أي وجه كان الميتان، وقد مر تقريره. وحينئذ لو التزمنا أن ذا الحجة لم تكن في التاسعة على محلها، ثم أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يَحُجَّ بالناس لم يلزم عليه محذورٌ، فإنَّ ذا الحجة من تلك السنة وإن كانت على زعمهم، فإنَّ الشرعَ فد أقام لهم الواقع -بحسب زعمهم- مُقَام الواقع في نفس الأمر. وإنما أراد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ما كان أحرى له، فانتظر إلى أن يُستدار الزمان إلى هيئته بالأمس، وعليه نبه في خُطبته. والله تعالى أعلم.
(١) قال الخَطَّابي: وقد يتأول بعضهم قولها: إن فريضة الله أدركت أبي شيخًا، فقال: معناه أنه أسلم، وهو شيخ كبير ... إلخ: ص ١٧١ - ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>