قلت: لعل التخليطَ إذا بلغَ مبلغًا، لا يمكن رفعُه، وعمت به البلوى، فالمرجو من الله تعالى أن يعتبره أيضًا نحوًا من الواقع، فإنَّ فقهاءنا قد اعتبروا بالشهادة على الوقوف، قبل يوم عرفة. وأما إذا شهدوا بالوقوف بعد يوم عرفة فلم يعتبروها، وذلك لأن التلافي ممكن في الصورة الأولى، دون الثانية. ومن هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت وجبت" في الجنازتين، مرتا عليه واحدة بعد أخرى، فكأن شهادةَ الصحابة اعتُبرت فيهما على أي وجه كان الميتان، وقد مر تقريره. وحينئذ لو التزمنا أن ذا الحجة لم تكن في التاسعة على محلها، ثم أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يَحُجَّ بالناس لم يلزم عليه محذورٌ، فإنَّ ذا الحجة من تلك السنة وإن كانت على زعمهم، فإنَّ الشرعَ فد أقام لهم الواقع -بحسب زعمهم- مُقَام الواقع في نفس الأمر. وإنما أراد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ما كان أحرى له، فانتظر إلى أن يُستدار الزمان إلى هيئته بالأمس، وعليه نبه في خُطبته. والله تعالى أعلم. (١) قال الخَطَّابي: وقد يتأول بعضهم قولها: إن فريضة الله أدركت أبي شيخًا، فقال: معناه أنه أسلم، وهو شيخ كبير ... إلخ: ص ١٧١ - ج ٢.