وقال في آخر باب تزوج الكتابيات: قال أبو بكر: الصابئون الذين يعرفون بهذا الاسم في هذا الوقت، ليس فيهم أهل كتاب، وانتحالهم في الأصل واحدٌ، أعني الذين بناحية حرَّان، والذين بناحية البطائح في سواد واسط، وأصلُ اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة، وعبادتها، واتخاذها ألهة، وهم عبدة الأوثان في الأصل، إلّا أنهم منذ ظهر الفرس على إقليم العراق وأزالوا مملكة الصابئين، وكانوا نَبطًا لم يجسروا على عبادة الأوثان ظاهرًا، لأنهم منعوهم من ذلك، وكذلك الروم، وأهل الشام والجزيرة كانوا صابئين فلما تنصَّرَ قسطنطين حملهم بالسيف على الدخول في النصرانية فبطلت عبادةُ الأوثان مِن ذلك الوقت ودخلوا في غِمار النصارى في الظاهر، وبقي كثير منهم على تلك النِّحلة مستخفين بعبادة الأوثان، فلما ظهر الإِسلام دخلوا في جملة النصارى، ولم يميز المسلمونَ بينهم وبين النصارى، إذ كانوا مستخفين بعبادة الأوثان، كاتمين لأصل الاعتقاد، وهم أكتم الناس لاعتقادهم، ولهم أمور وحيل في صبيانهم إذا عقلوا في كتمان دينهم. وعنهم أخذت الإسماعيلية كتمان المذهب، وإلى مذهبهم انتهت دعوتهم، وأصلُ الجميع اتخاذ الكواكب السبعة آلهة وعبادتها، واتخاذها أصنامًا على أسمائها، لا خلاف بينهم في ذلك، وإنما الخلاف بين الذين بناحية حرَّان وبين الذين بناحية البَطَائح في شيء من شرائعهم، وليس فيهم أهل كتاب، فالذي يغلب في ظني في قول أبي حنيفة في الصابئين أنه شاهد قومًا منهم أنهم يُظهرون أنهم من النصارى وأنهم يقرؤون الإِنجيل وينتحِلُون دين المسيح تقيةٌ، لأن كثيرًا من الفقهاء لا يرون إقرارَ معتقدي مقالهم بالجزية، ولا يقبل منهم إلّا الإسلام أو السيف، ومن كان اعتقاده من الصابئين ما وصفنا، فلا خلاف بين الفقهاء أنهم ليسوا أهل كتاب، وأنه لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. انتهى. =