للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يريد به بدليةَ الضربِ الوجيع، ولا نيابته مكانَ التحية، بل كونه حلَّ محل التحية. وهكذا أقولُ في عدد الأطوفة: إنه كان محل طوافين للحج والعمرة، ولكنه طاف في المحل الذي اقتضى طوافين، طوافًا واحدًا فقط، دون التعرض إلى البدلية والنيابة. وههنا لفظ آخر لابن عمر، وهو قوله: «طاف لهما طوافًا واحدًا»، وهو أصرحُ لهم، وأدلُّ على مرادهم، بخلاف حديث عائشة، فإنَّه لم يكن في حديثهما لفظ: «لهما»، وهو يُشير إلى تخريجهم أنَّ الطوافَ الواحد كان للحج والعمرة، وإن كان لغيرهما طواف آخر أيضًا.

وجوابه أنه لم لا يجوز أن يكون المرادُ من طواف الحج طوافُه للقدوم، دون الزيارة، كما فهمه الشافعية، وحينئذٍ معناه أنه طاف للقدوم والعمرة طوافًا واحدًا، وذلك صحيحٌ عندنا أيضًا. وفي بعض الروايات عن ابن عمر ما يدل على ذلك، أن التداخل إنما كان بين طوافه للعمرة والقدوم، دون الزيارة، كما في قوله في الحديث الآخر من ذلك الباب، ورأى أنْ قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، فإنه صريحٌ في أنه جعل طواف القدوم طوافه للحج والعمرة، ونحن نلتزم التداخل بينهما أيضًا.

ولنا أن نقول: إن هذا التخريج اجتهادٌ منه فقط، ولا نص عنده، وإنما يقومُ ذلك حجة علينا، إذا ثبت بيانًا من جهة النبي صلى الله عليه وسلّم وإلا فكله من مقاييس الرواة. ولا يمكن الاطلاع على نية أحد إلا من جهته، فمن أخبرك أن طوافَه يوم النحر كان لحجته وعمرته، ولم يكن لحجته فقط، فهذا تخريج منه لا غير. نعم، لو أتيت بنص من صاحب الحج أنه كان كذلك لكان لك حجة، ثم إنك إنْ تمسكت من اجتهاد هؤلاء الرواة، فلنا أيضًا أن نحتجَّ باجتهادِ عليَ، أعلم الناس بمناسِك رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكفانا سلفًا وقدوة.

ثم إن قوله: ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، لا يستقيم على مذهب الشافعية، فإنَّ الطوافَ الأول عندهم للقدوم، ولا دخل للعمرة عندهم فيه، فما هذا التعرُّض إليه، إلا أن يقال: إن طوافَ العمرة يصح أن يدخل عندهم في القدوم أيضًا، كما يصح أنْ يدخل في الزيارة، كما في «مختصر المُزَني»، وهو - خال الطحاوي - وإن كان في عامة كتبهم أنه لا يدخل إلا في الزيارة.

وجملة الكلام: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أول ما دخلَ مكة بدأ بالطواف، وهذا القدر متفقٌ عليه، ثم هو طوافٌ للقدوم عند الشافعية، وطواف للعمرة عندنا سَوَاء. قلتُ: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ترك طواف القدوم ليكون شأنُه وشأن الناس في المناسك سَوَاء، أو التزمت تداخله في العمرة، أو قلت: إن الطوافَ الواحدَ حلَّ محل الطوافين، فذلك كله إليك، فإنَّ المعنى واحدٌ، والاختلافُ في الأنظار لا غير.

وأحسن الأجوبة ما أجاب به شيخنا ومولانا محمود الحسن: أن عائشة إنما أرادت من قولها: «الطواف الواحد»، طافوا طوافًا واحدًا الطواف للحل منهما، ولا ريبَ أنه واحدٌ عندنا أيضًا، لأنَّ إحرامَهُما لمّا كان واحدًا، وجب أن يكون الإِحلال عنهما أيضًا واحدًا، وهو بطواف الزيارة. فالقارن إذا طاف طواف الزيارة، حل من إحراميه، والذي يدلك على هذا المعنى ما

<<  <  ج: ص:  >  >>