وأقصى ما يرى به المجتهد في قضيةٍ يوجدُ فيها حديث فخالفه أن يقال: لم يبلغه الحديث. أو بلغه من طريق لم ير قَبُوله، مع أَّنَّ الطاعن لو قُيِّضَ له دو فَهمِ، فألقى إليه القولَ من مَعدِنه. وفي نصابه، وقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع هداياه إما ست وثلاثون، أو سبع وثلاثون بَدَنة، والإِشعار لم يُذكر إلا في واحدةٍ منا، أفلا يحتمِلُ أن يتأملَ المجتهدُ في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرى أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أقام الإِشعار في واحدة، ثم تركه في البقية، حيث رأى التركَ أولى، لا سيما والتركُ آخر الأمرين، أو اكتفى عن الإِشعار بالتقليد، لأنه يسُدُّ مسدُّه في المعنى المطلوب منه. والإِشعارُ يُجهد البَدَنة، وفيه ما لا يخفى من أذية الحيوان، وقد نَهى عن ذلك قولًا. ثم استغنى عنه بالتقليد. ولعله مع هذه الاحتمالات رأى القولَ بذلك، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حج، وقد حضرَه الجمُّ الغفير، ولم يرو حديثَ الإِشعار إلا شِرذِمة قليلون. رواه ابن عباس، ولفظ حديثه على ما ذكرناه رواه المِسوَر بن مَخرَمة، وفي حديثه ذكرَ الإِشعارَ من غير تعرضِ للصبغة، ثم إن المِسوَر، وإن لم يُنكر فضلُه وفقهه، فإنَّه ولد بعد الهجرة بسنين. وروته عائشة، وحديثها ذلك أورده المؤلف في هذا الباب، ولفظ حديثها: "فتلتُ قلائد بُدن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَدَي. ثم قَلَّدها وأشعَرَها وأهداها، فما حَرُمَ عليه شيء كان أُحل له"، ولم يتعلق هذا الحديث بحجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان ذلك عام حَجَّ أبو بكر، والمشركون يومئذٍ كانوا يحَضُرون الموسم، ثم نُهوا. وروى عن ابن عمر أنه أشعر الهدي، ولم يرفعه، فنظر المجتهد إلى تلك العلل والأسباب، ورأى على كراهة الإِشعار جمعًا من التابعين، فذهب إلى ما ذهب. لسارع في العذر قبل مسارعتِه في اللوم وإلا أسمع نفسه: ليس بعشك فادرجي والله يغفر لنا ولهم، ويجيرنا من الهوى، فإنه شريك العمى. انتهى مختصرًا. قلت: ونظيرُه ما وقع للصحابة في نزول الأبطح، فإنَّه ثابت قطعًا، ومع ذلك لم يره بعضهم من المناسك، وقالوا: إنه كان لأنه كان أسمح لخروجه، واستحبَّه بعضهم، وكذا القصر بمنى. ذهب الجمهور أنه كان لأجل السفر، واختار مالك أنه من النُّسك، وهكذا فليُقَس في الإِشعار.