أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج، بقوله: "خذوا عني مناسككم"، وهذه الأحاديث المرخَّصة بالتقديم لما وقع السؤالُ عنها، إنما قُرنت بقول القائل: "لم أشْعُر"، فيخصص الحكم بهذه الحالة، وتبقى حالة العمدِ على أصل وجوبِ اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحج. وهذا مني أيضًا على حكم القاعدة، في أن الحكمَ إذا رُتِّب على وصف يُمكن أنْ يكون معتبرًا لم يجز إطراحه، وإلحاقُ غيره مما لا يساويه به. ولا شك أن عدم الشعور وصفٌ مناسبٌ لعدم التكليف، والمؤاخذة، والحكم عُلِّق به، فلا يمكن إطراحه بإلحاق العمد، إذ لا يساويه، فاِن تمسك بقول الراوي: "فما سُئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر، إلا قال: افعل ولا حرج"، فإنَّه قد يُشعر بأنَّ الترتيب مطلقًا غير مراعى في الوجوب. فجوابه أنَّ الراويَ لم يحك لفظًا عامًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتضي جوازَ التقديم والتأخير مطلقًا، وإنما أخبر عن قوله عليه الصلاة والسلام: "لا حرج"، بالنسبة إلى كل ما سُئل عنه من التقديم والتأخير. وهذا الإخبار من الراوي، إنما تعلق بما وقعَ السؤالُ عنه، وذلك مطلقٌ بالنسبة إلى حال السؤال، وكونه وقع عن العمد أو عدمه. والمطلق لا يدل على أحدِ الحالين بعينهِ، فلا تبقى حجةٌ في حالة العمد. اهـ. =