للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ. قَالَ «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ». تحفة ١٧٦٧١

٢١١٩ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِى جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِى سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، لَا يُرِيدُ إِلَاّ الصَّلَاةَ، لَا يَنْهَزُهُ إِلَاّ الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَاّ رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مُصَلَاّهُ الَّذِى يُصَلِّى فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ». وَقَالَ «أَحَدُكُمْ فِى صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ». أطرافه ١٧٦، ٤٤٥، ٤٤٧، ٦٤٧، ٦٤٨، ٦٥٩، ٣٢٢٩، ٤٧١٧ - تحفة ١٢٣٤١

٢١١٨ - قوله: (ثم يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِمْ). فإن قلتَ: من اتَّبَعَ الجيش الذي أراد أن يَغْزو الكعبة، فقد أعانهم، ولو في الجملة، فكيف يُبْعَثُ على نيِّته، وما العبرةُ بها بعد أن أعانهم؟ قلتُ: ولكنه فيما خَرَجَ الجيشُ لأن يَغْزُوَ غير مكَّة، ثم بدا له أن يَغْزُوَها أيضًا - والعياذ بالله - فلم يتمكَّن هؤلاء أن يتخلَّفُوا عنهم لمكان المصالح، فاتَّبَعُوه، وقلوبهم تَمَلْمَلُ، وأعينهم تَغْرَوْرِقُ بالدموع، فهؤلاء الذين يُبْعَثُون على نيَّاتهم. أمَّا مَن عَلِمَ من أول الأمر أن الجيشَ يريد الكعبةَ، ثم اتَّبَعَهُ فلا نِيَّة لهم، وهو معهم في الدنيا والآخرة. وإنما يُخْسَفُ بالأول والآخر، لأن ذلك من سُنَّة الله، إن من لم يَهْرُب من عذاب الله يَقَعُ فيه. ولذا أمر نوحًا عليه السلام أن يَرْكَبَ السفينة مع من آمن، وأمر لوطًا عليه السلام أن يَخْرُجَ من قومه، بل أمره أن لا يَلْتَفِتَ إليهم.

ولو كان العذاب يَقَعُ على بلدٍ، ويَنْجُو منه المؤمنون لتميَّز الحقُ عن الباطل قبل أوانه، ولم تَبْقَ هذه الدار دار الابتلاء. وإنما أراد الله سبحانه من التمحيص والتمييز في الدنيا بقدر ما لا يُوجِبُ رفع التكليف، والإِيمان بالغيب، فلم يَزَلْ التمحيصُ والتمييزُ، وهو من أهم مقاصد الغزوات، إلا أنه كان في ذيل الأسباب.

ومن ههنا تبيَّن السِّرُّ في ابتلاء الصَّبِيِّ بالمرض، مع أنه لا ذنبَ له، وذلك لأنه أراد أن يبقى الأمر غيبًا. فالعصاةُ تُبْتَلى نقمةً، والمؤمنون والصبيان رحمةً وتسبيبًا، ولا ظلمَ في التسبيب، فإن الله تعالى قد نبَّه على خواصِّ الأشياء. فمن يأكل السَّمَّ يموت، فلا اعتراض على الله سبحانه، وإنما الذنبُ على من أكله. فابتلاء الصبيان من هذا القبيل، لا أنه انتقام منه تعالى، وإنما كان الظلمُ لو لم يُنَبِّه عليها، أو لو قَهَرَه على أكلها. وأمَّا بعد أن هداه النَّجْدَيْن، ومَنَحَه السمعَ والعينَ، فمن اقترفها، فعليه اللَّوْمُ والشيْنُ.

فائدةٌ جليلةٌ: واعلم أن الثقةَ في الرواة ليست باعتبار كونهم أولياء، بل باعتبار فنِّهم، فهي باعتبار الأعمال الظاهرة فحسب. فالثقات قد رَكِبُوا الأغلاط، وحَادُوا في بعض المواضع عن

<<  <  ج: ص:  >  >>