وفيه إلزامُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكفيل الكفالة بغير أمر المكفول عنه. وفيه إلزامه بغير قَبُول المكفول له، كما قاله أبو يوسف، ومحمد خلافًا لأبي حنيفة. وفيه إلزامُه الكفالة بالدين الذي علي الميِّت المُفْلِس، كما قالا، خلافًا للإِمام، لأن بالموت خَرِبَت الذمة، فسقط الدين. ولكن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - هو المُتَّبَعُ والمُقْتَدي. رُوي عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا مات، وعليه دينٌ، فلم يُصَلِّ عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتى قال أبو اليَسَر، أو غيره: هو إليَّ، فصلَّى عليه. فجاءه من الغد يَتَقَاضَاهُ، فقال: "إنما كان ذلك أمس. ثم أتاه من بعد الغد، فأعطاه. فقال: الآن بَرُدَت عليه جِلدته". ففيه إلزامُ الكفيل عن الميِّت المُفْلِس. وفيه أن الذي عليه لم يَبرَأْ بوجوبه على الكفيل إلَّا بعد القضاء. وفيه دليلٌ على صحة ما كان أبو حنيفة، وأصحابه. والشافعيون يَذهَبُون إليه في المال المكفول به: أن للغريم مُطَالبة الكفيل والمَكْفُول عنه، أيهما شاء، خلافًا لِمَا قاله مالك، بأنه لا يُطَالِبُ الكفيل إلَّا عند عجزه عن مطالبة الأصيل. لأن الميِّتَ المكفولَ عنه ما ترك وفاءً، فلذلك لَزِمَ الكفيلُ. ولأن المَكْفُولَ عنه إذا كان حاضرًا قادرًا، فإن أخذ من الكفيل يُؤخَذُ في حينه من الأصيل، فأخذه من الأصيل أقلُّ عنك، فهو أَوْلَى. قال الطحاويُّ في قوله: "الآن بَرُدَت عليه جلدته" دليلٌ على صحة ما ذهب إليه أبو حنيفة، وأصحابه. فمن قَضَى دينًا عن رجلٍ بغير أمره، ليس له أن يَرْجِعَ عليه، لأنه لو بَقِيَ على الميت لَمَا بَرُدَت جلدته. ولكن قول مالك في الحيِّ، وفي الميِّت الذي له وفاءٌ، والحديثُ في الميت المُفْلِسِ. ثم كيف يُحْتَجُّ لأبي حنيفة بالحديث، وهو لا يقول بجواز الكَفَالَةِ عن الميِّتِ المُفلِسِ، اللهم إلَّا أن يُقَالَ: إن عنده يَجُوزُ، ولكن لا يَلْزَمُ وهو الأَصَحُّ.