للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له آخرون: إن هذه قصةٌ قد رُفِعَتْ مرَّةً إلى عمر، وسَبَقَ فيه قضاؤه، فَأَخَذَ عليه الساعي كفيلا منه للاعتماد، ليتحقَّقَه حين يَرْجِعَ إلى عمر. فلمَّا رَجَعَ إليه صدَّقهم عمر، وعَذَرَ الرجلَ على اعتذاره بعدم العلم بالمسألة، فإنه ظنَّ أن جاريةَ الزوجة كجاريته، فَيَحِلُّ له وطؤها. كالوطء من جاريته. واعتبره الحنفيةُ أيضًا شبهةً دَارِئَةً للحدِّ، إلا أن الرجمَ إذا سَقَطَ عنه، سَقَطَ رأسًا. وليس عليه الجلدُ، وإنما جلده عمر تعزيرًا، وراجع الهامش. وكيفما كان، خَرَجَ منه أصلٌ لاعتبار الشُّبُهَات. أمَّا إنها متى تُعْتَبَرُ، ومتى لا تُعْتَبَرُ، فأمرٌ مَوْكُولٌ إلى المجتهدين.

وكذا فيه ما يَدُلُّ على صحة الكَفَالَةِ في الحدود. ولكن يُخَالِفُهُ ما في «الكنز»: وبطلت الكَفَالَةُ بحدٍ وقَوَدٍ. قلتُ: معناه: لا يُجِيرُ بالكَفَالَةِ في هذا الباب. فإن سَمَحَ بها أحدٌ قُبِلَتْ في الديانة، ولا تكون له أحكامٌ في الفِقْهِ، لأن الكَفَالَةَ الفقهيةَ في الكَفَالَةِ بالنفس لا تكون ههنا إلا باستيفاء الحدود والقصاص منه. وذا لا يُتَصَوَّرُ فيها، فلا يكونُ لها حكمٌ في القضاء. وإنما هي من الأمور البيِّنة التي يَفْعَلُهَا الناسُ على الاعتماد فيما بينهم، على نظير الخَرْصِ، فإن كلامَ الطحاويِّ يُوهِمُ نفيه. قلتُ: لا رَيْبَ في كونه مفيدًا، إلا أنه ليس بحُجَّةٍ في القضاء، فهو من هذا الباب. ولذا قُلْتُ: إن الأبوابَ الكثيرةَ تُوجَدُ فيما بينهم على المُسَامَحَةِ، ولا تَجِدُ لها أثرًا في الفِقْهِ، وكان هذا مهمًا لو تعرَّض إليه أحدٌ.

قوله: (فَأَخَذَ حَمْزَةُ من الرَّجُلِ كُفَلاءَ)، أي كفلاء بالنفس.

قوله: (قد جَلَدَهُ)، أي قَبْلَ ذلك.

قوله: (وقال جريرٌ والأَشْعَثُ) ... إلخ، وقصَّتُه: أن عبد الله بن مسعود كان بالكُوفَة، فأخبره رجلٌ أنه رأى جماعةً من الناس منهم عبد الله ابن النوَّاحة في مكان كذا، كانوا يَذْكُرُون مُسَيْلَمَةَ الكذَّاب. فأرسل إليهم ابن مسعود، وأمرهم بأسرهم ... إلخ، فَقَتَلَ عبد الله ابن النوَّاحة، ولم يَسْتَتِبْهُ (١).

قوله: (وقال حمَّادٌ) ... إلخ، وحمَّادٌ هذا أستاذُ أبي حنيفة. ولا أَكَادُ (٢) أَفْهَمُ ماذا حمل


(١) قال الحافظُ العيني: أخرجها البيهقيُّ من طريق أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب، قال: "صلَّيت الغَدَاةَ مع عبد الله بن مسعود، فلمَّا سلَّم، قام رجلٌ فأخبره: أنه انتهى إلى مسجد بني حَنِيفَة، فَسَمِعَ مؤذِّنَ عبد الله بن النوَّاحة يَشْهَدُ أن مُسَيْلَمَةَ رسولُ الله. فقال عبد الله: عليَّ بابن النوَّاحة وأصحابه، فجيء بهم، فأمر قَرَظة بن كعب، فضَرَبَ عُنُقَ ابن النوَّاحة. ثم استشار في أولئك النَّفر، فأشار إليه عديُّ بن حاتم بقتلهم. فقام جريرٌ والأشْعَثُ، فقالا: بل استتبهم، وكَفِّلْهم عشائرهم" .... إلخ. قلتُ: قال الشيخ رحمه الله: وقد كان عبد الله بن النواحة هذا ما جاء مرَّة في عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قاصدًا من مُسَيْلَمَةَ، فلم يقتله لأن من سُنَّة القاتل أنه لا يُقْتَلُ. وإنما قَتَلَه ابن مسعود، لأنه لم يَكُنْ قاصدًا إذ ذاك. قلتُ: تلك القصة أخرجها أحمد، كما في "المشكاة"، من باب الأمان: عن ابن مسعود، قال: "جاء ابن النوَّاحة، وابن أُثالٍ رسولا مُسَيْلَمَةَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهما: أَتَشْهَدَان ... إلى قوله: لو كُنْتُ قاتلًا رسولًا لقتلتكما، قال عبد الله: فَمَضَتِ السُّنَّةُ أن الرسولَ لا يُقْتَلُ.
(٢) قال العلَّامةُ المَارْدِينِي، في باب من قتل من ارتدَّ عن الإِسلام رجلًا أو امرأةً: "وحكى أبو عمر في "كتاب الانتقاء" في فضائل الثلاثة الفقهاء"، عن حاتم بن داود، قال: قلتُ للفضل بن موسى البُنَانِيِّ: ما تقول في هؤلاء =

<<  <  ج: ص:  >  >>