٢٣٤٩ - قوله:(كُنَّا نَغْرِسُهُ في أَرْبِعَائِنَا) ... إلخ، وهذه الأَرْبَعاء كانت تُسْقَى من بئر بُضَاعة، كما يجيء التصريحُ به في البخاريِّ. وهذا هو مراد الطحاويِّ من كونها جاريةً، أي أنها كانت تُسْتَقَى منها الزروع كل وقتٍ، فلم تكن النجاسةُ تَسْتَقِرُّ فيها. فإن كان أبو داود زَرَعَها، وذلك أيضًا بعد مُدَّة مديدةٍ، ثم لم يَجِدْها عشرًا في عشرٍ، فلا بَأْسَ به، فإنه كان في عهد النبوة بحيث تُسْتَقَى منه المَحَاقل (كهيتيان)، والمزارع. ويكفي هذا القدرُ لإِثبات الجريان، فهو الجريانُ حقيقةً، لا بمعنى كونه عشرًا في عشرٍ. ومن لم يتنبَّهْ على مراد الطحاويِّ، طَعَنَ عليه، وقد بيَّنا لك حقيقةَ الحال.
٢٣٥٠ - قوله:(فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شيئًا أَبَدًا) ... إلخ، ولَيُحْفَظْ هذا اللفظُ، فإنه صريحٌ في أن بركةَ دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لم تَكُنْ مختصةً بحفظ مقالةٍ دون مقالةٍ، بل كانت عامَّةً لكلِّ ما يسمع أبو هريرة من مقالته، وهذا الذي يَلِيقُ بالإِعجاز، والبركة. وأمَّا قَصْرُهَا على المقالة التي في ذلك المَجْلِسِ فقط، فلا يَعْلَقُ بالقلب، كما يُوهِمُه بعض الألفاظ، فهو قصورٌ من الرواة (١).
...
(١) قلتُ: حينئذٍ فالمرادُ من قول أبي هريرة -"ما نَسِيتُ من مَقَالَتِهِ تلك إلى يومي هذا"- جنسُ المقالات، كما بين السطور، نقلًا عن الطيبيِّ. قلتُ: ويُمْكِنُ عندي أن يكونَ مفعولُ الفعل محذوفًا، و"من" زائدة، والمعنى: ما نَسِيتُ شيئًا من أجل مقالته تلك، فافهم. وفي "المعتصر"- فكان الذي مع أبي هُرَيْرَة مما انْتَفَى عنه النسيان فيه، هو ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الموطن الواحد، لا فيما كان من قبله، ولا فيما كان منه بعده. اهـ. فانظر جلالةَ الشيخِ رحمه الله تعالى.