للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ «ادْعُوهُ». فَقَالَ «أَضَرَبْتَهُ». قَالَ سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. قُلْتُ أَىْ خَبِيثُ، عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَتْنِى غَضْبَةٌ ضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِى أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى». أطرافه ٣٣٩٨، ٤٦٣٨، ٦٩١٦، ٦٩١٧، ٧٤٢٧ - تحفة ٤٤٠٥ - ١٥٩/ ٣

٢٤١١ - قوله: (فَلَطَمَ وَجْهَ اليَهُودِيِّ). وفي الشروح أَنَّه أبو بكر.

قوله: (لا تَخبرُوني) ... الخ. والتَّخْيير على نحوين، والممنوع منهما يا يُوهِم تنقيضَ الآخر. وقيل في الجواب: إن قوله «لا تُخبِّروني» من باب التواضع (١). وما في الروايات مِن الفصل بيانُ العقيدةِ، فلا تناقض، ولا يلزم أن لا يتواضعَ الكامل أبدًا، فإِنَّه لا يزيدُه إلا فَضْلا على فَضْله، فَمَن حَمَل تواضُعه مخالِفًا لكماله. فكأن لم يقم بالفَرْق بين الموضِعين، والأحوطُ في هذا الباب عندي أن يُتَجاسر في باب التفاضل، ولا ينهمك فيه، لئلا يتجاوز عن الحدِّ، فيقع في حفرةٍ من النار. وذلك لأنَّ سائرَ الأنبياء سواسيةٌ في باب الإِيمان بهم، واحترامهم، وتبجيلهم، وإن كانوا مختلفين في الفضل، فالمقصودُ من الأحاديثِ الواردةِ في باب الفَضْل تقريرُ العِلْم والعقيدة، دون الممارسة في العمل كما شاع اليوم في زماننا، ألا ترى ماذا وقع فيه بين اليهوديِّ والمسلم حتى قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فإِنَّ الناس يصْعَقُون» ... الخ.

قوله: (فإِنَّ النَّاس يَصْعَقُون يومَ القيامة، فأصعق معهم، فأكون أَوَّل مَنْ يفيق، فإِذا موسى باطِشٌ، جانب العرش، فلا أدري كان فيمن صَعِق، فأفاق قبلي، أو كان مِمَّن استثنى الله) وههنا إشكال، وهو أنَّ الحديثَ مُقْتَبسٌ من قوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: ٦٨] ذَكَر القرآنُ فيه نَفْختين: نفخة للصَّعقة والإِماتة، وَنفْخة للبَعْث والنُّشور، واستثنى مِن النَّفْخةِ الألألى، وهي نَفْخَةُ الصَّعْقةِ أشياءَ أبهمهما، قال المفسرون: وهي الجنةُ والنَّارُ وأمثالُهما، مما لا يأتي عليه الفَناء. فلو قلنا: إنَّ موسى عليه الصلاة والسلام أيضًا كان مِمَّن استثناه ااُ، كما في هذا الحديث، يلزم أن لا يكونَ دَخَل تحت الموتِ أيضًا، فإِنَّ المُستثْنَى في الآية هو ما لم يدخل تحت الفَناء، فلزم أن يكون موسى عليه الصلاة السلام أيضًا كذلك، ولعله سلمه الكَرِماني:

قلت (٢): كيف وموتُه مذكورٌ في صحيح البخاري. فأَوَّلُ مَن أجاب عنه القُرطبي في


(١) قال الحافظ: إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال تواضعًا، والتواضع لا يَحُط مرتبة الكبير، بل يزيدُه رِفعةً وإجلالًا. وقيل: هو مِن جِنْس قوله: "لا تفضلوني على يونس" الخ.
(٢) ويَقْرُب منه ما ذكره الشيخُ العيني: أن الأنبياء أحياءٌ في قبورهم، فإذا نُفخ في الصوُّر نَفْخة الصّعق، صَعِق كلُّ مَنْ في السمواتِ والأرض إلا مَنْ شاء الله، فأمَّا صَعْقُ غير الأنبياء فموتٌ، وأما صعق الأنبياءِ فالأظهر أنه غُشي، فإذا نُفِخَ في الصُّور نَفْخةُ البَعْث، فمن مات حي، ومَنْ غُشي عليه أفاق، اهـ بتغيير يسير. وقال القاضي -كما =

<<  <  ج: ص:  >  >>