للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٤١٩ - قوله: (إن القرآن أُنزل على سَبْعة أَحْرُفٍ) واختلف النَّاسُ في شَرْحه على خمسٍ وأربعين قولا، وكلّها مُهْملٌ غيرَ ثلاثةٍ، أو أربعةٍ، ولواحدٍ منها روايةٌ عن ابن مسعود، لا أدري، مرفوعةٌ هي أم موقوفةٌ؟ والثاني قولٌ لعامَّة النُّحاة.

واعلم أنهم اتَّفقوا على أنه ليس المراد من «سبعة أحرف» القراءات السبعة المشهورة، بأن يكون كلُّ حَرْف منها قراءةً من تلك القراءات. أعني أنه لا انطباق بين القراءاتِ السَّبع، والأَحْرفِ السبعةِ، كما يذهبُ إليه الوَهْمُ بالنَّظر إلى لُفْظ السبعة في الموضعين، بل بين تلك الأَحْرِف والقراءةِ عمومٌ، وخصوصٌ وَجْهي، كيف وأنَّ القراءات لا تنحصِرُ في السَّبعة، كما صرَّح ابن الجزري في رسالته «النَّشْر في القراءات العَشْر». وإنَّما اشتهرتِ السَّبعةُ على الألسنةِ، لأنَّها التي جمعها الشَّاطِبي.

ثُمَّ اعلم أنَّ بعضهم فَهِم أَنَّ بين تلك الأحرِف تغايرًا مِن كلِّ وَجْه، بحيث لا رَبْط بينها، وليس كذلك، بل قد يكون الفَرْقَ بالمجرد والمزيد، وأخرى بالأبواب، ومرةً باعتبار الصِّيَغ من الغائب والحاضر، وطورًا بتحقيق الهمزةِ وتسهيلها، فكلُّ هذه التغييرات - بسيرةً كانت أو كثيرةً - حرفٌ برأسه. وغَلِط مَنْ فَهِم أن هذه الأَحْرف متغايرةٌ كلُّها، بحيث يتعذَّرُ اجتماعُها.

أما إنُّه كيف عَدَدُ السَّبعة؟ فتوجَّه اليه ابنُ الجَزري، وحقَّق أن التصرُّفاتِ كلَّها ترجِعُ إلى السبعةِ، وراجع القَسْطلاني (١). والزُّرقاني. بقي الكلامُ في أن تلك الأَحْرفَ كلّها موجودة، أو رُفِعَ بَعْضُها وبقي البعضُ؛ فاعلم أنَّ ما قرأه جبريلُ عليه السلام في العَرْضَة الأخيرة على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم


(١) قلت: قال القَسْطلَّاني في تفسير الأحرف السبعة، أي وجه من الاختلاف، وذلك إما في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة: نحو البخل، وُيحْسَب بوجهين، أو بتغيير في المَعْنى فقط، نحو {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: ٣٧] {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: ٤٥] وإمَّا في الحروف بتغيير المعنى لا الصورة، نحو "تَبْلو، ونبلو" {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ} [يونس: ٩٢] "وننجيك بيدك لتكون لمن خلفك"، وعكس ذلك "نحو: "بسطة، وبصطة، والسراط، والصراط" أو بتغييرهما، نحو: "أشد منكم، ومنهم، ويأتل ويتأل" و {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. وإما في التقديم والتأخير، نحو "فيقتلون، ويقتلون" {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: ١٩]، أو بالزيادة، والنقصان، نحو "أوصى ووصى، والذكر والانثى" فهذا ما يرجع إليه صحيح القرارات، وشاذها، وضعيفها، ومنكرها، لا يخرج عنه شيء. وإما نحو اختلاف الأظهار، والإِدغام، والروم، والإِشمام، مما يعبر عنه بالأصول، فليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ أو المعنى، لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا، ولئن فرض فيكونُ من الأوَّل. اهـ.
قلت: وهذا كما رأيت، رجعت كُلُّها إلى سبعةِ. وإنَّما نَقَلْت عبارته بِرُمِّتها لتكونَ على بصيرةٍ في هذا الباب. فإنَّ الناسَ اعتادوا المشي على المحتمِلات، كالاحتمالات العقلية، حتى يُفْقد منها المرادُ، فلا يتميز المقصودُ من غيره، ويبقى الإِنسان متحيرًا في تحقيق المعنى، حيث يراه مترددًا كتردد المعنى الجنسي، لا يستقر على أمر، وذلك ظلم عظيم. والذي يناسب أن يحام حولَ المقصود، لا أن يبدي كل مُحْتمِل. وكنت لا أفهم مراده إلى زمانٍ طويلٍ، فلذا اعتنيت به، لأن المرء يقيسُ على نفسه. وقد تكلّم القسطلاني في "فضائل القرآن" أبسط من هذا. ولله درُّ الشيخ، حيث نَبَّهَنا على تلك المزايا، ورفع الله درجَتَه في أعلى عِلِّيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>