للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّضْمين إن طالبه المالِكُ بعد رجوعه، وتمسَّك الشافعيةُ باستمتاع (١) أُّبي، فإِنَّه كان من أغنياء الصحابةِ، وأجاب عنه صاحب الهداية (٢) أَنَّه كان بعد إذن الإِمام، وهو جائزٌ عندنا أيضًا، ولم


(١) رُوي أنَّ سُفيان بن عبدِ الله وجد عَيْبةً، فأتى بها عمر رضي الله عنه، فقال: عرفها سنةً، فإِنْ عرفت. فذاك، وإلا فهي لك. فلم تعرف. فلقيه من العام المقبل في الموسم، فذكرها له. فقال: هي لك، إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك، قال: لا حاجةَ لي بها. فقبضها عمرُ، فجعلها في بيت المال. قوله: "فهي لك"، ليس على جهة التمليك، ولكن هي لك تَصْرِفُها فيما تحِبُّ صَرْفَها فيه. يؤيده ما رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه، أنه وَجَد دينارًا، فجاء به إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا رسول الله، وجدت هذا؛ قال: عَرِّفه، فذهب ما شاء الله، ثُم قال: قد عَرَّفتُه فلم أجد أحدًا يَعْرِفه. قال: فشأنُك، فرهنه في ثلاثة دراهم في طعام وَوَدَك، فبينما هو كذلك إذ جاء صاحبُهُ عندَه، فعرَّفه، فجاء عليٌّ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: هذا صاحبُ الدينار، قال: أدِّه إليه، فأداه عليٌّ إليه بعد ما أكلوا منه". لا يصلُح هذا حجة للشافعيِّ في تحليل اللُّقطة بعد الحَوْل للغنيِّ أيضًا، لأنها لو رجعت إلى الصدقةِ لما حلَّت لعليٍّ، لأن الصدقةَ عليه حرامٌ، لأنه حديثٌ مُنْقطع، رواه شرِيك عن عطاء بن يَسَار، وهو مُتكلم فيه، والصحيح عن عليٍّ اللُقطة بعد الحَوْل ما روى عاصم بن ضَمْرة، قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ، فقال: إني وجدت صُرَّة من دراهم، فلم أجد أحدًا يَعْرِفها، فقال: "تصدّق بها، فإِن جاء صاحِبُها ورضي، كان له الأجر، وإلا غَرِمتها له، وكان لك الأجْر. ولا يقال: كان أبي من أيْسر أهل المدينة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في لُقطة مائة دينار، وقد عَرَّفها ثلاثة أعوام: "اعلم عَدَدها ووِكاءَها، ثم استنفع بها". لأن يساره إنما كان بعده - صلى الله عليه وسلم -، وكان قبل ذلك فقيرًا. يؤيدُه جَعْلُ أبي طلحةَ الأرض التي جعلها الله تعالى، وقال - صلى الله عليه وسلم -: اجْعلها في فقراء قرابتك، فجعلها لحسانَ، وأُبي، قال أنس راوي الحديث: "وكانا أقربَ إليه منِّي، ورُوي عن عبد الله بن عباس، وأبي هريرةَ، وابن عمر في اللقطة بعد الحَوْل، مِثْلُ ما ذكرناه عن عمر، وعليِّ في الصدقة بها، وتخيير صاحبها، إن جاء بين الأَجْر والتغريم، ولا يَسَع لأحد خلاف هؤلاء الأعلام، وكراهية الأكل بعد الحَوْل للغنيِّ مذهب أبي حنيفة، وأصحابه أجمعين.
قلت: وقد تكلَّم عليه المارديني، وبسط فيه جدًا، ونقل عن عمر، وعليِّ، وعائشة وابن عباس، وعبيد الله بن عمر، وسعيد بن المسيِّب، والشَّعْبي، والحسن، وطاوس، وعِكرمة أنه يتصدق بها بعد التعريف، وسردها بأسانيدِها مع الذبِّ عمَّا تُكُلِّم في أسانيدها، وإنَّما اكتفيتُ بذِكْر الاسماء، أما من شاء التفصيل، فليرجع إلى كتابه، ونقل عن "الأشراف" لابن المنذِر، وممَّن قال: يُعرِّفها حَوْلًا، ثُم يتصدَّقُ بها، ويُخَيِّرُ صاحِبُها إذا جاء بين الأَجْرِ والغُرْم له، مالك، والحسنُ بن صالح، والثَّورِيُّ، وأصحابُ الرأي. وقال الترمذي: هو قول الثوريِّ، وابن المبارَك، وأهل الكوفة. اهـ. "الجَوْهر النقي" ملخصًا.
(٢) قلت: وفي مذكَّرة أُخرى كتبتها عن الشيخ في أوائل الحال في تقرير كلام صاحب "الهداية" أن ههنا ولايتين: ولايةٌ عامةٌ وهي للإِمام، ووِلايةٌ خاصةٌ وهي وِلاية الرجل على نفسه، وقد تجتمعان، فتكون الولايةُ الخاصة تحت الولاية العامة وقد تحذف العامَّة من اللفظ، وتُذْكر الخاصَّة فقط، فَيُتوهَّم منه استقلالها، مع كون العامة ملحوظةً هناك أيضًا، غايتها أنها لم تُذْكر لفظًا. فالولاية العامّة مرعيةٌ في الحالين. وبعبارة أُخرى أن التعبيرَ فيما اجتمعت الولايتان يأتي على نحوين: بذكر الولاية الخاصة مع حَذْف العامَّة، وبذكْر العامَّة مع حذف الخاصة، كما في ترى أفعال العِباد، فإنَّها تحت ولايةِ نفسه، وتحت الولاية العامة أيضًا، وهي ولايةُ الله تعالى على عباده. فَمِن النحو الأوَّل {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠] أسْند الفِعَل إلى نفسه وولايته، كأنه ليست هناك وِلايةٌ لأحدٍ، وهو الأكْثَرُ، ومن النحو الثاني: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فأسند كلها إلى العامَّة. وظهر أن الولاية الخاصَّة كانت تحتَ العامَّة مطلقًا، ذُكِرَتْ في اللَّفظ أم حُذِفت، ومن ههنا يَسْري الخِلاف، فمنهم مَنْ يقتصر على اللفظ. فلا يُراعي الولاية العامة، وخالَ أن العبادَ خالِقون لأفعالهم، ومنهم مَن نظر إلى المحذوفة أيضًا، فلم يَهْدر الولاية العامَّة لكونها مرعيةً في الحالين، فجعل العبدُ كاسِبًا، فقط. =

<<  <  ج: ص:  >  >>