(٢) قال الشيخ بدر الدين العَيْني: والذي عليه الجُمهور انَّ مَن نوى المعصيةَ، وأصرّ عليها يكون آثِما، وإن لم يعملها، ولم يتكلم بها، قلت: التحقيق فيه أنَّ مَن عزم على المعصية بِقَلْبه، وَوطَّن نفسه عليها، أَثِم في اعتقاده وعَزْمه، ولهذا جاء بلفظ: الحِرْص فيه -أي في حديث التقاتل؛ أنه كان حريصًا على قتل صاحبه-، ويحمل ما وقع مِن نحو قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تجاوز لأُمتي" ... الخ. وفي الحديث الآخر: "إذا همّ عبدي بسيئةٍ، فلا تكتبوها عليه، إنَّ ذلك فيما إذا لم يُوطِّن نَفْسَه عليها، وإنما مرَّ ذلك بِفِكْره من غيرِ استقرار، ويسمى هذا هَمًّا، وإنْ عزم تُكتب سيئة، فإذا عملها كتبت معصية ثانية، انتهى مختصرًا، بتغيير. قلت: وأوضح منه ما قال صاحب "المدارك": لا تدخل الوساوس، وحديث النفس فيما يخفيه الإِنسان، لأن ذلك مما ليس في وُسعه الخُلُو منه، لكن ما اعتقده، وعزم عليه. والحاصل أن عَزْم الكُفْر كُفْرٌ، وخَطرة الذُّنوب من غيرِ عزم مَعفوة، وعَزم الذُّنوب إذا نَدِم عليه ورجع عنه، واستغفر منه، مغفورٌ. فأما إذا هِمَّ بسيئةٍ، وهو ثابت على ذلك، إلا أنه مُنع عنه بمانع ليس باختياره، فإِنَّه لا يُعاقب على ذلك عقوبةَ فعله، أي بالعَزم على الزِّنا لا يُعاقب عقوبةَ الزِّنا؛ وهل يُعاقب عقوبةِ عَزم الزِّنا؟ قيل: لا، لقولِه عليه الصلاة والسلام: "إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم به، والجمهور على أنَّ الحديثَ في الخطرة دون العَزم، وأن المؤاخذةَ في العَزم ثابتةٌ، وإليه مال الشيخُ أبو منصور، وشمس الأئمةِ الحلواني؛ والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: ١٩] الآية وعن عائشةَ: ما همَّ العبدُ بالمعصيةِ مِن غيرِ عمل يعاقب على ذلك مما يلحقه من الهِمِّ والحزن في الدنيا، اهـ. من أواخر سورة "البقرة".