للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شيئًا فاصِلا، نعم وَجَدْت في الصحابة أنهم كان لهم عبيدٌ بالغون من العرب، ولكنه ليس بفاصِلٍ أيضًا، لأنه لا يُدْرى أنهم استرقُّوهم صِبيانًا، أو كانوا بالغين حين استُرِقُوا، ولا نِزاع في الأَوَّل، والثاني غيرُ متعيَّن، فبقي الأَمْر في الإِبهام. أما إطلاقُ السِّبي على غنيمة هَوازن، فليس فيه أيضًا ما يَنْفِصلُ به المَرام، لأنها كانت مِنْ جِنْس الأموال والنِّسوان، وأما رِجالُهم، فلم (١) يُسْتَرَقُّوا، كما في «شَرْح المواهب»؛ وبالجملة لم أجد غزوةً من الغزوات يَيْبت فيها استرقاقُ رجال العرب، ولو ثبت لكان فاصِلا في الباب.

٢٥٣٩ و ٢٥٤٠ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنِى اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ


(١) قلت: ويستأنس له بما أخرجه الحافظ عن مغازي موسى بن عُقبة"؛ قالوا: يا رسول الله، إنَّ فيمن أصبتُم الأمهاتِ والأخواتِ والعمَّاتِ والخالاتِ، وهنَّ مَخازي الأقوام، وفي رواية ابن إسحاق: قام خطيبُهُم زهير بن صَرَد، فقال: "يا رسول الله، إنَّ اللواتي في الحظائر من السَّبايا، خالاتُك، وعماتُك، وحواضِنُك اللاتي كن يَكْفُلْنَك، وأنت خيرُ مكفولٍ، ثم أنشد هذه الأبيات المشهورةِ، أولها:
أمنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندخر
ويقول فيها:
أمنُن على نِسوةٍ قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من مخضها الدرر
ولا بأس أَنْ نُتْحِفَك ببعضِ أبياته الأخرى، ذكرها ابنُ العربي في شَرْحه:
أمُنن علينا رسولَ الله في دَعَةٍ ... فإِنَّك المرءُ نرجوه ونَنْتَظِر،
أمنن على بيضةٍ قد عاقها قدر ... مفرَّقٌ شملها، في دهرها غير
أبقت لها الحرب هتانًاعلى حزن ... على قلوبهم الغماء والغمر،
إن لم تداركهم نعمى تنشرها ... يا أرجح الناس حلمًا حين يختبر
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك مملوءة من مخضها الدرر
إذ أنت طفلًا صغيرًا كنت ترضعها ... وأن ربك ما تأتي وما تذر
لا تجعلنا، كمن شالت نعامته ... واستبق منا، فإِنا معشر زهر
إنا لنشكر للنعمى، وقد كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فالبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك، إن العفو يشتهر
إنا نؤمل عفوًا منك نسأله ... هذي البرية أن تعفو وتنتصر
فاعف عفا الله عما أنت واهبه ... يوم القيامة إذ يهوى لك الظفر
وبالجملة: لم نجد في هذه الروايات تَعَرُّضًا إلى حالِ الرِّجال؛ نعم في كتاب "الاموال" لأبي عبيد، قال: أخبرني سعيدُ بن المسيِّب، وعُرْوة بن الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردَّ ستة آلافٍ من سَبي هوازن، من النِّساء، والصِّبيان، والرجال إلى هوازن حين أَسلموا. اهـ.
ثم إنَّ الشيخَ حَقَّق فيما يأتي أنَّ هذا الردَّ كان إعتاقًا؛ وحينئذٍ تسقط تراجمُ المصنِّف في هبة المشاع.
قلت: وهو الذي ذهب إليه ابنُ العربي، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بعد ما سمع الأبيات-: أما ما كان لي: ولبني عبد المطلب فهو لكم، وقالت الأنصارُ: ما كان لنا فالله ولرسوله؛ فردت الأنصارُ ما كان في أيديها من الذَّراري، والأموال، واستنقذنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا عِتقٌ منه - صلى الله عليه وسلم - لِمَن لم يرضعه في حرمةِ مَن أرضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>