فِيهِ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْفَارِسِيَّةِ «كَخٍ كَخٍ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ». طرفاه ١٤٨٥، ١٤٩١ - تحفة ١٤٣٨٣
وليس لنا منها بد، فإِنا إذ نجاهدُ العَجَم، لا بد لنا مِن التكلُّم مع أقوامٍ من غير العرب أيضًا.
قوله:(والرَّطَانة) التكلُّم بلسان العجم.
قوله تعالى ({وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ})[الروم: ٢٢] يعني إذا كان هذا الاختلافُ من بدء الخلقة، ومِن صنع الله تعالى، فمنَ ذا الذي يستطيعُ رَفعه؟ فلا بد من استعماله، ونقل الرَّازي في «تفسيره» أربعة استدلالاتٍ على وجود الصانِع عن الائمة الأربعة، فراجعها؛ واستدلَّ الشافعي بهذه الآية.
وحاصله عندي أن الاختلافَ بين الأفرادَ من النَّوْع الواحد، وكاذا اتحاد النظام بين الأنواع المختلفة لا يُعْقَلِ إلا منن جهةِ الفاعل المُريد، فإِنَّ المادةَ متشابهةٌ، فلا يكون من تلقاء استعدادِها. وما قالوا: إنَّ نظامَ العالمِ كلَّه من استعداداتِ المادة، فذلك إنَّما يتأتَّى بعد تَقَرُّرِ النظام، ونحنُ نتكلِّمُ في نَفْس هذاالنظامِ. أنه كيف انتظمت الأنواعُ المتعددةُ المختلفةُ حقيقةً تحت نظام واحدٍ، فلا بد من الانتهاء إلى الفاعل المريد. فإِنَّ النِّظام المانسب لنوعٍ بنوعٍ آخر لا يتأتَّى من جهة المادة، وإنّما يمكنُ ذلك بين الأفراد من نوعٍ، وذلك أيضًا إذا لم يمختلف. وراجع «الفهرس الكبير»، ويتحيَّرُ الإِنسانُ من علومه، مما يكادُ يَعْجِز عنه الإِدراكُ، واستدل عليه بقوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ}[الأنبياء: ٢٢] .... الخ، وتمسَّك الناسُ به على نفي التعدُّدِ، مع أنه فيه دليلا على نَفْي التعدُّد، مع نفي الغيْرِيَّة، والمَحَطُّ عندي هو الثاني. والمعنى أنه لو كان في الكونِ أَحَدٌ غير الله لفسد الكونُ، سواء كان غيرُه واحدًا أو متعددًا، فليس الفسادُ موقوفًا على كونِ الغير متعددًا، بل لو كان واحدًا لفَسَد أيضًا، فإذا كان متعددًا فالأَوْلى، ولكنَّ المقصود أنَّ نظامَ العالم إنَّما يمشي، وينتظمُ مِن واحدٍ، هو الله، ولو كان غيره لم ينتظر، فالتعددُ أيضًا باطلٌ، وكذا الغيرية.
واعلم أنه لا يليق بالقرآن صورة البُرهان، فإِنه جرى على طريق التخاطب، - بخلاف طريق المخلوقِ المخلوق - فليس فيه إلا الخطابة، وما البُرهان فطريقٌ مُسْتحدَثٌ، خارِجٌ عن طَوْر كلام البُلغاء، ومخاطباتهم؛ نعم يكونُ سَطْحُه خَطابةً، وباطِنُهُ بُرهانًا، فإِذا قَرَّر عاد إلى البُرهان يَسْطَع:{يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}[النور: ٤٣] وراجِع «الشِفا»، فإِنه قال: إنَّ البُرهان إنَّما يتأتَّى في الاستحالة والوجوب، أما في الحُسْن والقُبْح، والنَّفْع والضَّرَر، فلا تتأتى فيه إلا الخطابةُ.
٣٠٧١ - قوله:(فَبَقِيَت حتى ذَكَّرَت) أي بَقِيت تلك القميصُ لم يَخْلَقها مُضى الليالي، ومرورُ الأيام، ولعلَّ تلك القميصُ أيضًا تكونُ تتوسَّعُ عليها بِقَدْرَ جَسَدِها، فإِنها إذا تَقَمَّصَت كانت صبيةً، فلا بدَّ من الزيادة في القميص، ومَنْ يؤمن ببقاء تلك القميصِ إلى زمنٍ لم تخلق، لم يَعْجِز عن الإِيمان بِسَعتها أيضًا؛ وأما مَنْ لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.