- قوله:(حتى تَلْقَوْني على الحَوْض) فيه دليلٌ على كونِ الحَوْض على نهاية السفر، فدلُّ على كونِه بعد الصراط؛ واعلم أنا قد تكلمنا مرةً على حديث أَنس، وقد ذكرنا ما قال فيه العلماء، وسنح لنت الآن أن نَذْكُر فيه ما هو الرأي عندنا، فنقولُ: إنَّ الحديثَ كما عند الترمذِّي أنه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أين أَطْلُبك يا رسول الله يوم القيامة؟ فقال له: اطلبني على الصِّراط، وإلا فعند الميزانِ، وإلا فعند الحَوْضِ - بالمعنى - ومرَّ عليه الشاه عبد العزيز، واستشكل عدمَ الترتيب بين هذه المواضع، فوَجَّهه بأنَّ المرادَ أني لا أزال أتردَّد بين هذه الموضع، فتارةً أَلْقاك ههنا، وأخرى هناك، فكأنه صلى الله عليه وسلّم لا يكون له استقرارٌ في موضع من المَحْشر، مادام تحاسب أُمته، فيراقِبُ أُمته في مواضع الأَهْول كلها.
والذي تَبَيِّن لي - ولا يبعد أن يكون صوابًا - أنه أَمَرَه أَوَّلا بِطَلبه عند الصِّراط، لأن المَحْشر فضاءٌ، واسع، يتعسَّرُ فيه الطلبُ واللقاء، فدلَّهُ على مَوْضع يَجْتمِع فيه الناسُ، فإِنَّه ليس من أهل المَحْشر، إلا ويكونُ له مرورٌ على الصِّراط، فَيَسْهُل الالتقاءُ هناك، ولأنه لا مجتمع بعد عُبور المَحْشَر إلا هو، فإِنَّ لم تجدني هناك فاطلبني في هذا الجانب من الصراط، أو وراءَهُ، ولا أكونُ في هذا الجانب إلا عند الميزانِ، وإنْ جاوزت الصراط، فلا تجدني إلا عند الحَوْض، فالحوضُ بعد الصِّراط عندي "عرفا أبهى يهى كهتى هين كه مجهى بل برد يكه لينا أور اكروهان نه ملاتويا آرهونكا يابار".