للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَخْلُقْ فيه شيئًا، فكان هو يومُ التعطيل، وهو يومُ العيد للخَلْقِ. وفي التوراة: إن مُوسَى عليه السلام كان يَعِظُهُمْ في هذا اليوم، ويُذَكِّرُهُم. فَعُلِمَ أن السبتَ كان يوم الجمعة، فلا أَعْلَمُ متى وقع فيه التحريفُ (١)، حتَّى جَعَلُوه أوَّلَ يومٍ من الأسبوع. ثُمَّ إن هذه الستَةَ، ستةُ آلافٍ عند ربك: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: ٤٧]، فالستةُ عنده ستةُ آلافٍ عندنا.

أمَّا خَلْقُ آدم عليه الصلاة والسلام، فهو وإن كان في يوم الجمعة، لكنه ليست الجمعة المتصلة، لأنه حَصَلَ فيها الاستواء على العرش، ثُمَّ خلقه في جمعةٍ أخرى. والله يَعْلَمُ المدَّةَ بين الستة، وبين تلك الجمعة التي خلقه فيها. ولذا ترى القرآن لا يَذْكُرْ خَلْقَ آدم عليه السلام مع خلق العالم في موضعٍ، ولكن يَذْكُرُ بعده الاستواء، ليكونَ دليلًا على أنه لم يَخْلُقْ فيما بعده شيئًا. ونقل الدَّمِيرِي، عن السُّبْكي في «حياة الحيوان»: أن آدم عليه الصلاة والسلام خُلِقَ في الجمعة المتصلة، والتحقيقُ عندي ما نبَّهناك. ومن ههنا قيل: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم نبيُّ السابعة من سبعة آلاف.

ثم الاستواءُ على العرش لبيان نهاية عالم الأجسام، فليس فوق العرش شيءٌ غيرَ حضرة الربوبية، بشأنها التي تَلِيقُ به، وعالم الإِمكان كلُّه تحته، كذا ذكره صاحب «اليواقيت»، عن محدِّثٍ.

قوله: (ويُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ به صَلَّ)، أي المتغيِّر "سترى هوئى".


(١) قلتُ: وفي مذكرةٍ أخرى عندي: أن اليهودَ لَمَّا عَلِمُوا أن العالمَ خُلِقَ في ستة أيامٍ، وأن آدمَ عليه الصلاة والسلام خُلِقَ في يوم الجمعة، حَمَلُوه على الجمعة المتصلة، فلم تَكُن الجمعة عندهم يوم الفراغ، والتعطيل، وإذن لا يكون يوم التعطيل إلَّا بعده، فَجَعَلُوا السبت يوم التعطيل. وقد عَلِمْتَ مما قُلْنَا: إن آدمَ عليه السلام، وإن خُلِقَ يوم الجمعة، لكنه جمعةٌ أخرى. وانتهى خَلْقُ العالم إلى يوم الخميس، فيكون يوم التعطيل، ويوم السبت هو الجمعة. وأما النَّصَارى، فإنهم فَهِمُوا أن الفضلَ في يوم الخلق، دون التعطيل، ولمَّا كان يوم التعطيل عند اليهود هو السبتُ، لَزِمَ أن يكونَ بدايةُ خلق العالم من يوم الأحد لا محالة، وهذا هو أوَّلُ أيام الخَلْقِ، فَجَعَلُوه عيدًا، ثُمَّ ما يَدُلُّكَ على أن السبتَ هو الجمعة: ما في الإِنجيل: أن عيسى عليه الصلاة والسلام مَكَثَ في قبره ثلاث ليالٍ: ليلة السبت، وليلة بعدها، ثم ليلة بعدها، ثم رُفِعَ صبيحة يوم الأحد.
قلتُ: وهَذَا يَدُلُّ على أن السبتَ هو هذا الجمعة، وإلَّا فلا يستقيم الحساب. فإنه إذا رُفِعَ صبيحة الأحد، وقد مَكَثَ ثلاث ليال قبلها في قبره لا يكون الثالث إلَّا ليلة الجمعة، وهي الليلةُ الأولى. وكذا في التوراة: أن بني إسرائيل كانوا يُعَظِّمُون اليوم السابع، لكونه يومًا لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم. وفيه: أن موسى عليه السلام كان يَعِظُهُمْ السبت، ولأنه من السُّبات، وهو بالعبرانية الاستراحة. وإنما سُمِّي به يوم الجمعة، لأن الله تعالى لم يَخْلُقْ في ذلك اليوم شيئًا، لا أن مسُّه لُغُوبٌ، والعياذ بالله. وقيل: السبت من الأعداد معناه السبعة، ولا بُعْدَ فيه أيضًا، فإن لفظ السبت، والسبعة أيضًا متقارب. وكذلك /هفت/ بالفارسية، بمعنى السبت فهو أيضًا مُتَقَارِبٌ. فهذه كلُّها قرائنُ ظاهرةٌ على كون السبت يوم الجمعة، فلا أَدْرِي متى وَقَعَ فيه التحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>