للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديث أنه كان قدر طولهم هذا في الجنة، فإذا نَزَلُوا عادوا إلى القصر. فإن الأحكامَ تَتَفَاوت بتفاوُت البلدان، والأوطان. كما أن يومًا عند ربك كألف سنةٍ مما تَعُدُّون، فهو يومٌ في العالم العلويِّ، وألف سنةٍ في العالم السفليِّ، هكذا يُمْكِنُ أن تكونَ قاماتهم تلك في الجنة، فإذا دَخَلُوها عادوا إلى أصل قامتهم.

٣٣٢٩ - قوله: (فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ) واعلم أن الأحاديثَ تُخْبِرُ أن الخيرَ والصلاحَ في إِبَّان الساعة يكون بالشام، وقد حَمَلْتُهَا على زمن عيسى عليه الصلاة والسلام. وهذا يَدُلُّكَ ثانيًا على أن الغلبةَ المعهودةَ إنما هي بالأرض التي يَنْزِلُ بها عيسى عليه الصلاة والسلام، لا على البسيطة كلِّها، وما ذلك إلَاّ من تَبَادُرِ الأوهام فقط.

قوله: (زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ) قال اليُّهَيْلِيُّ في «الروض الأنف»: إن في هذا النُّزُلِ إشارةٌ إلى انتهاء نشأة الدنيا، فإنها إمَّا بحرٌ، أو برٌّ، والبرُّ على الثور، والبحرُ على الحوت، فإذا استعملا في النُّزُل، فقد انتهت الدنيا أيضًا.؟!!.

٣٣٣٠ - قوله: (لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ) وفيه دليلٌ على أن من سَنَّ سنَّةً سيئةً فإنها تتسلسل (١)، وتلزم. كقابيل، فإنه قَتَل أخاه، فظهر شُؤْمَهُ في سِبْطِهِ السابع. فكانت الدنيا على صرافتها خاليةً عن المعاصي، فجاء شقيٌّ، وسَنَّ معصيةً، ثم تسلسلت، وهكذا إلى أن امتلأت ظلمًا وجَوْرًا. وهذا معنى قوله: «لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَزِ اللَّحْمُ، ولولا حَوَّواءُ لم تَخُنْ أنثى زوجها»، أي ظهرت معصيةٌ من أحدٍ على وجه الأرض، ثم تسلسلت، وبقيَ أثرُها.

٣٣٣١ - قوله: (فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) والمشهور أنها خُلِقَتْ من ضِلْعٍ أيسر. ورأيت مصنِّفًا مرَّ عليه، وقال: إن آدم عليه السلام انتبه مرَّةً من منامه، فإذا حواءُ جالسةٌ على يساره، وهذا معنى مخلوقة من ضلعٍ، أي رآها مخلوقةً نحو يساره. وإنما ذَكَرْتُ هذا الاحتمال، لأن الناسَ في هذا العهد قد تعوَّدوا بإنكار كلِّ شيءٍ لا تُحِيطُ به عقولهم، ما أجهلهم. فإنهم إذا أَخْبَرَهُمْ أهل أوروبا بما شاهدوه بالآلات آمَنُوا به، وإن كان أبعدَ بعيدٍ، ولا يَشُكُّون فيه مثقالَ ذرَّةٍ، كقولهم: إن الإِنسانَ كان أصلُه قردةً، وكقولهم: إن في السيارات عمرانات. ثم إذا أخبرهم أصدقُ القائلين عمَّا رآه بعينه، كما قال: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢)} [النجم: ١٢]، أو يُخْبِرُ به ربُّه جلَّ وعزَّ. إذا هم مُعْرِضُون. وحنيئذٍ لا يَمْلِكُ المرءُ إلَاّ أن تتقطعَ نفسُهُ عليهم حسراتٍ، فهداهم الله سواء الصراط.


(١) وعند الدارميِّ كما في "المشكاة"، عن حسَّان، قال: ما ابتدع قومٌ بدعةٌ في دينهم إلَّا نَزَعَ اللهُ من سُنَّتِهم مثلها، ثُمَّ لا يُعِيدُها إلى يوم القيامه. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>