للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٣٧ - قوله: (ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ) واعلم أنه لا يكونُ مع الدَّجَّالِ إلَاّ تَخَيُّلَات (١) ليس لها حقائق، فلا يكون لها ثباتٌ، وإنما يَرَاه النَّاسُ في أعينهم فقط دجال كيساته وه كر شمه هوكا جيسا آجكل مدارى راسته مين دكهلاتاهى او سمين صلى الله عليه وسلّم ئيدارى نهين هوتى. ولكن نقل الشيخُ المجدِّدُ السَّرْهَنْدِي حكايةً في ذلك تَدُلُّ على أن تَخَيُّلاتِ المُشَعْبِذِين لها أيضًا حقيقةً. قال: إن رجلًا جاى عند ملكٍ، وقال له: إنه يريد أن يُرِيَهُ شَعْبَذَةً، فأجازه، ففعل، حتَّى خُيِّلَ إلى الناس إنه خَلَقَ حديقةً نفيسةً، فلمَّا تمَّت تلك الحديقة، وهم ينظرون، أمر الملك أن يُضْرَبَ عُنُقُهُ، وهو لا يَشْعُرُ به وقد كان الملكُ سَمِعَ من أفواه الناس: أن التخييل يَتْبَعُ صاحبَهُ، فإن قُتِلَ يَبْقَى كما هو، فَبَقِيَتْ تلك الحديقةُ، حتَّى أكل منها.

قلتُ: ولو كان الشيخُ سمَّى هذا الملك، أو عيَّن المكان، لكان في أيدينا أيضًا سبيلٌ إلى تحقيقه، حتَّى نَعْلَمَ صِدْقَ الحكاية من كذبها. ويُمْكِنُ أن يكونَ الشيخُ الأجلُّ قد بَلَغَهُ ما بَلَغَهُ من أفواه الناس، فإنه لم يَنْقُلْ مشاهدته بعينيه، وإنما نَقَلَ ما بلغ عنده، ففيه احتمالٌ بعيدٌ.

وصرَّح الشيخ الأكبر في «الفصوص»: أن في الإِنسان قوَّةً يَخْلُقُ بها في الخارج ما شاء وأراد، وقد أقرَّ به اليوم أهل أوروبا أيضًا. ورأيتُ في رسالةٍ تُسمَّى بديده ودانش: أن رجلًا من أهل أوروبا قَصَدَ أن يَذْهَبَ إلى موضع فلانٍ، فَوُجِدَ في ذلك المكان على أثره، مع أنه لم يتحرَّكْ من مكانه. فهذا تصوُّرٌ للخيال، فإنه لم يَذْهَبْ، ولا تحرَّكَ على مكانه، ولكن صار خياله مصوَّرًا بقوَّته. إلَاّ أن ما نَقَلَهُ الشيخُ المجدِّدُ فوق ذلك، فإنه يَدُلُّ على بقاء هذا المخيَّل أيضًا. أمَّا تصوُّرُ الخيال، وتمثُّلُه، فممَّا لا يُنْكَرُ، وقد أقرَّ به ابن خلدون أيضًا: أنه يُمْكِنُ إنزال الصورة من المَخِيلَةِ إلى الخارج. ثم ذَكَرع حقيقتَهُ أنها لا تكون فيها إلَاّ الكميَّة، ولا تكون فيها المادة.

٣٣٣٨ - قوله: (وَإنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ تِمْثَالَ الجَنَّةِ والنَّارِ) والمرادُ من التِمْثَال ما قرَّرنا آنفًا، أي تخيُّلات المُشَعْبِذِينَ. وفي «الفتوحات»: أن نبيَ الله سليمان عليه الصلاة والسلام كان مرَّةً يصلِّي، فأراه الشيطانُ جنَّةً مخيَّلة، ولكنه عليه الصلاة والسلام بقي على حاله، ولم يَلْتَفِتْ إليها، ثم كَتَبَ أن تلك الجنةَ بَقِيَتْ مدَّةً. فلا يُقَالُ في ذلك التِمْثَال: إنه


(١) قلتُ: ويَشْهَدُ له ما في "المشكاة" من الفصل الثالث: عن المُغِيرَة بن شُعْبَة، قال: "ما سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الدَّجَّالِ أكثر مما سألته، وأنه قال لي: ما يَضُرُّكَ، قلتُ: إنهم يقولون: إن معه جبلَ خبزٍ، ونَهر ماء، قال: هو أهونُ على الله من ذلك"، اهـ. متَّفقٌ عليه. قال عليُّ القاري في "المرقاة": أي هو أحقر من أن الله تعالى يحقِّق له ذلك، وإنما هو تخييلٌ، وتمويهٌ للابتلاء. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>