(٢) قال الطحاويُّ في "مشكله": إن باني المسجدَ الحرامَ هو إبراهيمُ عليه السلام، وباني المسجدَ الأقصى هو داود، وابنه عليهما السلام من بعده. وقد كان بين إبراهيم وبينهما عليهم الصلاة والسلام من القرون ما شاء اللهُ أن تكونَ. لأنه كان بعد إبراهيمَ ابنُه إسحاق، وبعد إسحاقَ ابنُه يعقوب، وبعد يعقوب ابنُه يوسفَ، وبعد يوسفَ موسى، وبعد موسى داود، سوى من كان بينهم من الأسْبَاطِ، وممن سواهم من الأنبياء عليهم السلام. وفي ذلك من المدد ما يتجاوز الأربعين بأمثالها. فكان جوابُنا له في ذلك: أن من بَنَى هذين المسجدين هو من ذَكَرَه، ولم يَكُنْ سؤالُ أبي ذرٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن مدَّة ما بين بنائهما، إنما سَأَلَه عن مدَّة ما كان بين وضعهما، فَأَجَابه بما أَجابه. وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ واضعُ المسجد الأقصى كان بعضُ أنبياء الله قبل داود، وقبل سليمان في الوقت الذي بَنَيَاه فيه. فلم يَكُنْ في هذا الحديث بِحمد الله ما يَجِبُ استحالته. اهـ. ورَاجِعْ له "عمدة القاري"، فإنه نَقَلَ جوابًا عن القرطبيِّ، وجوابًا آخر عن الخطَّابي، وأوضحهما بيانٍ حسنٍ، ولا بُدَّ.