للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحكمة ظاهرًا، ومر عليه شارح «الوقاية» وقال: إن ما يجبُ هو أن لا يخلو صِنْفٌ منضبط عن الحكمة، لا أنه يجب وجودُها في كل جزء. وحينئذٍ فخلوّ هذا الجزئيِّ بخصوصه عن الحكمة لا يضرنا. ولم يقدر الشارحُ على غير هذا الجواب.

وعندي جوابُهُ لكنَّ الوقتَ لا يتحملُ بيانه وقد فَصَّلتُهُ في بَرْنَامجي. وقد يقال: إن في هذه الثلاثة إشكالًا ولا يتبادرُ الذهنُ إلى حصول الأجرين فيها، فإن المنساقَ إلى الذهن أن الإيمان طاعةٌ واحدةٌ، وإنما الفرقُ في الفروع، فاعتبار هذا الإيمان وهذا الإيمان ربما يفضي إلى التعجب، فتعرَّض إليه الحديث بأن الإيمان وإن كان واحدًا إجمالًا، لكنه لما تعلق بنبيَ بخصوصه تفصيلًا، ثم تعلق بنبي آخر كذلك صار متعددًا باعتبار الشخص، فإنه إذا آمن بنبي فهذا عملٌ، ثم إذا آمن بنبي آخر في زمانه فهذا عمل آخر متجددًا. وكذلك يتوهم أن العبدَ عبدٌ لمولاه، فلعله لا يستحق الأجرَ في خدمته، وكذلك التزوج لنفعه فلا يكونُ عليه الأجر أيضًا.

وقد يقال: إنه خصَّصَها بالذكر لأجل التنبيهِ والتحريضِ على هذين العَمَلين، فإن جمعهما عسير، لأن الكتابي إذا آمن بنبيه فالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلّم يَشُقُّ عليه. فنبه على أنه بهذا الإيمان لا يُحرمُ عن أجر إيمانه، بل يبقى إيمانُهُ معتبرًا ومأجورًا عليه كما كان، بل يضعَّفُ أجره فيحصل مرتين. وكذلك العبدُ إذا اشتغل بخدمة مولاه، ربما لا يجدُ وقتًا لأداء الصلوات ولا أقل من أن يتعسر عليه، فحرَّضَهُ على أن يؤديَ حق الله أيضًا ليحصل له الأجران. وهكذا الأمر في تزوج الجارية، فإن الطبائعَ الفاضلةَ نافرةٌ عنها، فحرَّضَ على إعتاقِها والتزوج منها، ليحصل له الأجران. وتوهَّم بعضهم أن العبدان صلى فله أجران على صلاته، وليس كذلك، بل الأجران على العملين: أجرٌ على خدمةِ مولاه، وأجر على أداء الصلاة (١).


(١) قال أبو جعفر: وهذا الذي جئنا بهذه الآثار من أجل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثلاثة الذين يؤتون أجرهم مرتين: "رجل آمن بنبيه ثم أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به". لأنا عقلنا بذلك إنما أراد مَن دخل من أهل دين النبي الذي كان قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن كان مؤمنًا به في دين النبي. وعقلنا بذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقبه من أنبياء الله عز وجلّ هو عيسى عليه السلام، فمن كان كذلك استحق أجره مرتين، وإن من لم يَكُن كذلك لم يستحق بدخولِهِ في دين النبي - صلى الله عليه وسلم - إلَّا أجرًا واحدًا، وهو أجر دخوله في دينه.
فأما ما كان فيه قبل ذلك من دين موسى عليه السلام فإنه لا يستحقُ به مثل ذلك، لأن دين عيسى عليه السلام قد طرأ على دين موسى ولم يَتْبعه، فخرج بذلك من دين موسى ثم اتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان من قبلِ اتِّباعه إياه على غير ما كان الله عزّ وجلّ تعبَّده أن يكون عليه عن دين عيسى. وعقلنا مما ذكرنا أن الذي يؤتي أجره مرتين بإيمانه، كان بنبيه ثم بإيمانه كان بالنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على ما تعبد عليه من دين النبي الذي كان قبله وهو عيسى عليه السلام حتى دخل منه في دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومما يؤكدُ ما ذكرنا، ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله في حديث عياض بن حماد ما قد حدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن أبي داود حدثنا أبي عمر الحوفي حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة حدثني العلاء بن زياد ويزيد أخو مطرف ورجلان آخران -نسي همام اسميهما- أن مطرفا حدثهم أن عياض بن حماد حدثه أنه سمع =

<<  <  ج: ص:  >  >>