للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرواة لا يَذْكُرونَ طوافه، وهو في البخاريِّ أيضًا، فلا بُعْدَ أن يكونَ ذِكْرُه وهمًا من بعضهم. وقد أَشَارَ إليه القاضي عِيَاض: أن ذِكْرَ طوافه ليس في رواية مالك، كما في النوويِّ. وسنعود إلى بيانه أبسط منه إن شاء الله تعالى.

٣٤٤٢ - قوله: (والأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَاّتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَهُ نَبِيٌّ)، يعني هم متَّحِدُون في العقائد، وإن اخْتَلَفُوا في الفروع، كالأولاد التي تكون من أب واحد، وأمهاتهم شتَّى.

ثم اعلم أن المشهورَ أن لا نبيَّ بينه (١)، وبين المسيح عليه السلام، كما هو في البخاريِّ، ولكن عند الحاكم في «مستدركه»: أنه كان بعد عيسى عليه السلام نبيًّا اسمه: خالد بن سِنَان. بل ظاهرُه أنه كان قُبَيْل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلّم ويُمْكِنُ أن يكونَ إطلاقُ الأَبِ فيه توسُّعًا. ومرَّ عليه الذهبيُّ، ولم يُنْكِرْ عليه، وليس إسنادُه بالقويِّ.

٣٤٤٤ - قوله: (آمَنْتُ باللَّهِ، وكَذَّبْتُ عَيْنِي)، فإن قلتَ: كيف كذَّب عيسى عليه الصلاة والسلام ما رأته عَيْنَاه؟ قلتُ: ولا بُعْدَ فيه. فإن المخاطبَ إذا أَنكر أمرًا بالشدَّة، حتَّى يَحْلِفَ به أيضًا، تُلْقَى منه الشبهات في صدور مَنْ لا يعتمد على نفسه في زماننا أيضًا، فإنه يَخْطُرُ بباله أنه لعلَّه لم يتحقَّق النظرُ فيه. والنظرُ يُغَالِطُ كثيرًا، فيرى المتحرِّكَ ساكنًا، والساكنَ متحرِّكًا، والصغيرَ كبيرًا، والكبيرَ صغيرًا، إلى غير ذلك. فكيف إذا وَاجَهَهُ رجلٌ باسم الله الذي تَقْشَعِرُّ منه جلود الذين آمنوا. وقياسُ صدور الذين مُلِئَت إيمانًا عن الذين مُلِئَتْ جَوْرًا وظلمًا، قياسٌ مع الفارق. ومَنْ لم يَذُق، لم يَدْرِ.

٣٤٤٥ - قوله: (لا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ) ... إلخ،


= فلا بَأْسَ برؤية طوافه في المنام على أبطانه ما كانت. وإنما أُرِي خلفه يَطُوفُ لا أمامه، لأنه لا يُنَاسِبُ التقدُّم على المسيح عليه الصلاة والسلام في أمور الخير. ولأنه لا بد للعين أن يمشي أمامه، ولو مَشَى أمامه لانْذَابَ، ولكنه يكون خلفه، كالخائف الجبان. على أن بينهما تَنَاسُبَ التضاد، حتَّى رُوعِيَ في الاسم أيضًا، فسمَّى اللعين أيضًا بالمسيح، وأَظهَرَ هذا التضاد بالفصل المميِّز، فَيُقَالُ له: المسيح الدَّجَّال، لِيَدُلَّ على أنه رجلٌ في مناقضته مسيح الهداية. وحينئذٍ لا بأس باشتراكه في الطواف أيضًا على ما كان مراده منه. ولم أَسْمَعْ فيه من الشيخ شيئًا، غير أنه قَالَ: إن ما رآه في منامه كنت صورةَ للتناسب بينهما، ولعلَّه أراد منه ما قُلْنَا. وإنما ذَكَرْنَا بعضَ شيءٍ سمح به القلم أَوَانَ تسويد هذه الأوراق، وليس بشيءٍ. فليتفكر، لتظهر لك أمور، واحدٌ بعد واحدٍ تَترَى. والله تعالى أعلم.
(١) يقولُ العبدُ الضعيفُ: وقد كانت أخذتني في شرح ذلك الحديث كلمةٌ أريحيَّةٌ في سالفٍ من الزمان، فقلتُ لشيخي: لِمَ لا يُمْكِنُ أن يكونَ المرادُ منه نفيَ بني بينه وبين المسيح عليه السلام بعد ما يَنْزِلُ من السماء. فهذا الإِخبارُ كما يُمْكِنُ أن يكونَ عن الماضي، كذلك يُمْكِنُ أن يكونَ عن المستقبل. وهذا أقطع لقطع شغب هذا الشقيِّ فَسَكَتَ عليه، ولم يَرُدَّهُ. وفَهِمْتُ منه كأنه من المُحْتَمَلِ، والجائزِ. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>