للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في أصحاب الرقيم، وهذا كالتفسير له. والتحقيقُ (١): أن أصحابَ الرَّقِيمِ هم أصحاب الكهف، وإنما قيل لهم: أصحاب الرقيم (٢)، لأن مَلِكًا كان رقَّم كتابًا، ووضعه هناك.


(١) أخرج الحافظ برواية الطبراني، والبزار عن النعمان بن بشير بإسناد حسن أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، يذكر الرقيم، قال: انطلق ثلاثة، فكانوا في كهف، فوقع الجبل على باب الكهف، فأوصد عليهم، فذكر الحديث، اهـ. فدل على أن أصحاب الكهف، والرقيم، هم أصحاب الغار، كذا ذكره الحافظ: (٦/ ٣٢٥).
(٢) "الرقيم" بفتح أوله، وكسر ثانيه - وهو الذي جاء ذكره في القرآن، والرقم، والرقيم تفخيم الكتاب، ونقطه، وتبيين حروفه، وكتاب رقيم، أي مرقوم، فعيل بمعنى مفعول، قال الشاعر:
سأرقم في الماء القراح إليكم ... على بعدكم، إن كان للماء راقم
وبقرب البلقاء من أطراف الشام: موضع يقال له: الرقيم، يزعم بعضهم أن به أهل الكهف، والصحيح أنهم ببلاد الرُّوم، كما نَذكُرُهُ، وهذا الرَّقِيمُ أراد كثيرٌ بقوله: وكان يزيد بن عبد الملك يَنْزِلُهُ. وقد ذكرته الشعراء:
أميرَ المؤمنين إليك نَهْوَى ... على البُخْتِ الصَّلَادِم والعجوم
إذا اتخذت وجوه القوم نسبًا ... أَجِيجَ الواهجاتِ من السموم
فكم غادَرْنَ دونك من جهيض ... ومن نعل مطرحة جذيم
يَزُرْنَ على تنائيه يزيدًا ... بأكنافِ الموقَّرِ، والرقيم
تُهَنِّئُهُ الوفودُ إذا أَتَوهُ ... بنصر الله، والملك العظيم
قال الفرَّاء في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩)} [الكهف: ٩] قال: هو لوحُ رصاصٍ، كُتِبَتْ فيه أنسابُهم، وأسماؤهم، ودينُهم، ومِمَّا هَرَبُوا. وقيل: الرقيمُ: اسم القرية التي كانوا فيها. وقيل: إنه اسمُ الجبلِ الذي فيه الكهف.
وروى عِكرِمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنه، قال: "ما أدري ما الرقيم، أكتابٌ، أم بنيانٌ". وروى غيره عن ابن عبَّاس: أصحابُ الرَّقيم سبعةٌ، وأسماؤهم: يمليخا، مكسلمينا، مشلينا، مرطونس، دبريوس، سرابيون، افستطيوس. واسم كلبهم: قمطير. واسم ملكهم: دقيانوس. واسم مدينتهم التي خَرَجُوا منها: أُفْسُوس، ورُستَاقُها الرَّسُّ. واسم الكهف: الرقيم. وكان فوقهم القِبْطي، دون الكردي، وقد قيل غير ذلك في أسمائهم.
والكهفُ المذكورُ الذي فيه: {أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} بين عَمُّورية ونيقِيَة، وبينه وبين طَرَسُوس عشرةُ أيامٍ، أو أحدَ عشرَ يومًا.
وكان الواثقُ قد وجَّه محمد بن موسى المنجِّم إلى بلاد الرُّوم للنظر إلى أصحاب الكهف والرَّقِيم. قال: فَوَصَلْنَا إلى بدد الرُّوم، فإذا هو جبلٌ صغيرٌ، قَدْرُ أسفله أقلُّ من ألف ذراعٍ، وله سَرَبٌ من وجه الأرض، فَتَدْخُلُ السَّرَبَ، فَتمُرُّ في خَسْفِ من الأرض مقدار ثلاث مائة خطوةٌ، فيُخْرِجُكَ إلى رواقٍ في الجبل على أساطين منقورةٍ، وفيه عدَّةُ أبياتٍ، منها بيتٌ مرتفعٌ العَتَبَةِ مقدار قامة، عليها بابُ حجارةٍ فيه المَوْتَى، ورجلٌ موكلٌ بهم يَحْفظُهُمْ معه خَصِيَان.
وإذا هو يُحِيدُنا عن أن نَرَاهُمْ ونفتشهم، وَيزعُمُ أنه لا يَأْمَنُ أن يُصِيبَ من التَمَسَ ذلك آفةٌ في بدنه، يريد التمويه، ليدومَ كَسبُهُ. فقلتُ: دَعْني أنظرُ إليهم، وأنت بريءٌ. فَصَعَدْتُ بمشقَّةٍ عظيمةٍ غليظةٍ مع غلام من غلماني، فَنَظَرْتُ إليهم، وإذا هم في مسوح شعرٍ تَتَفَتَّتُ في اليد، وإذا أجسادُهم مطليَّةٌ بالصَّبِرِ، والمُرَّ، والكَافُورِ لِيَحْفَظَهَا، وإذا جلودُهم لاصقةٌ بعظامهم. غير أنِّي أَمْرَرْتُ يدي على صدر أحدهم، فَوَجَدْتُ خشونةَ شعره، وقوةَ ثيابه ثم أحضرنا المتوكل بهم طعامًا، وسألنا أن نأكل منه، فلما أخذناه منه ذقناه، وقد أنكرته أنفسنا، وتهوعنا، وكأن الحبيب أراد قتلنا، أو قتل بعضنا، ليصح له ما كان يموه به عند الملك، أنه فعل بنا هذا الفعل أصحاب الرقيم، فقلنا له: إنا ظننا أنهم أحياء يشبهون الموتى، وليس هؤلاء كذلك، فتركناه وانصرفنا، قال غيرهم: إن بالبلقاء بأرض العرب من =

<<  <  ج: ص:  >  >>