للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (ثغر) هو ملتقى الأضلاع من الفوق، وهو القص، والشعرة الطرف الآخر، حيث ينبت الشعر.

قوله: (فلما خلصت، إذا يحيى، وعيسى) إلخ، وقد ظن -لعين القاديان- أن المسيح، عليه الصلاة والسلام، لو كان حيًا، لأخبره بحياته في ليلة المعراج، مع أنه لم يتكلم بحرف، قلت: بلى، وقد تكلم به، وأخبره، كما عند ابن ماجه (١).

قوله: (نهران باطنان، ونهران ظاهران)، أن الظاهران فقد تسلسلت مبادئهما من ههنا، إلى هناك، حتى ظهرا على وجه الأرض، وأما الباطنان فبقيا في عالم الغيب، ولم يظهرا في عالم الشهادة، وقد مر منا أنه من باب إطلاق اسم الشيء على مبادئه، وذلك كثير في الطب، والمنطق، كالتعجب، فالنيل في مصر، والفرات في بغداد، إلا أن هذين الاسمين أطلقا على مبدأيهما في عالم الغيب أيضًا، فلو كان لأحد عينان يبصران الغيب، لاطلعتا عليهما (٢).

قوله: (هي رؤيا عين أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به) واعلم أنه لا لفظ في لغة العرب لمشاهدة أشياء الغيب في عالم الشهادة يقظة، فاستعاروا لها لفظ الرؤيا، لكونه أقرب (٣)؛ ورأيت في التوراة كثيرًا إطلاق هذا اللفظ في مشاهدات الأنبياء عليهم السلام في اليقظة، حيث يكون فيه أن حزقيل عليه السلام مر بنهر مرة، ورأى رؤيا، مع أن رؤياه تلك لم تكن إلا في اليقظة، فتنبهت من ههنا على أن الرؤيا تطلق على مشاهدات الأنبياء عليهم السلام في اليقظة أيضًا، وقد أشار إليه الحافظ في "الفتح" أيضًا، وهذا على نحو الكشف عند الصوفية، فإن الكشف هو الوضوح لغة، لكن عندهم هو رؤية الأمور الغائبة بالباصرة يقظة، وليس لها لفظ في اللغة أيضًا، فاستعاروا لها لفظ الكشف.


(١) قلتُ: أخرج في باب: فتنة الدَّجال، وخروج عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، عن عبد الله بن مسعود، في قصة الإِسراء، قال: "لما كان ليلة أُسْرِيَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، لَقِيَ إبراهيمَ وموسى وعيسى، فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ. فَبَدَأُوا بإِبراهيم، فسأَلوه عنها، فلم يَكُنْ عنده منها عِلْمٌ. ثم سَأَلُوا موسى، فلم يَكُنْ عنده منها عِلْمْ. فَرُدَّ الحديثُ إلى عيسى ابن مريم، فقال: قد عُهِدَ إليَّ فيما دون وَجْبَتِها، فأمَّا وَجْبَتُها فلا يَعْلَمُهَا إلَّا الله.
فَذَكَرَ خروجَ الدَّجَّال، قال: فَأَنْزِلُ فَأَقْتُلُهُ. فَيَرْجِعُ الناسُ إلى بلادهم، فيستقبلهم يَأْجُوجُ ومَأجُوجُ، وهم من كلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُون، فلا يَمُرونَ بماءٍ إلَّا شَرِبُوه، ولا بشيءٍ إلَّا أَفْسَدُوه. فَيَجْأَرُونَ إلى الله، فَأَدْعُو اللهَ أن يُمِيتَهم.
فَتَنْتُنُ الأرضُ من ريحهم. فَيَجْأرُونَ إلى الله، فأدْعُو اللهَ، فَيُرْسِلُ السماءَ بالماءِ، فَيَحْمِلُهُم فَيُلْقِيهِم في البحر. ثُمَّ تُنْسَفُ الجبالُ، وتَمُدُّ الأرضُ مَدَّ الأدِيم ......... كانتِ الساعةُ من الناس، كالحامل التي لا يَدْرِي أهلُها متى تَفْجَؤهم بِوِلَادَتِها" ... إلخ.
(٢) قلتُ: ومن ههنا انْدَفَعَ ما تعسر على الشارحين. فقال الطِيبيُّ: النيل، والفرات يَخْرُجَان من أصلها -سدرة المُنْتَهَى- ثم يَسِيرَان حيث أراد الله تعالى، ثم يَخْرُجَان من الأرض ويَسِيرَان فيها. وهذا لا يَمْنَعُهُ شرعٌ، ولا عقلٌ، وهو ظاهرُ الحديث. اهـ. وأَبْعَدَ القاضي حيث قال: وهذا يَدُلُّ على أن أصلَ السِّدْرَةِ في الأرض، لخروج النيل والفرات من أصلها. قال العينيُّ: لا يَلْزَمُ من خروجهما من أصلهما أن يكون أصلها في الأرض، اهـ "عمدة القاري".
(٣) وقد مرَّ الكلامُ فيه في الجزء الأول من هذا التقرير، فراجعه من الهامش، ولا بُدَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>