للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلا على حفظِ دمهِ ومالهِ. وعند الترمذي: أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا. فالمعاهدة لا تقع إلا على حفظِ دمه وعِرضِهِ ومالِهِ. فمن قتله من المسلمين فقد أَخْفَرَ ذمة المسلمين وافْتَاتَ عليهم، فيكون ناقضًا لذمتهم لأنهم ما عاهدوه إلا على أن دمَه يكون كدمهم، فلو لم يُقتل بقتلِهِ بَطَلَ معنى المُعاهدة فيُقتلُ لأجل معاهدتِهم إياه لا أصالة، فكأن قتل المسلم بالذمي من لوازِمِ عقد الذمة.

وحينئذٍ معنى الجملة الأولى: «لا يقتل مسلم وذمي بكافر، وإنما أخرجنا لفظ الذمي في العبارة فقد بيانًا لحكمه، لأنه بعد عقد الذمة دَخَلَ في أحكام المسلمين في الدنيا لا أنه مقدَّرٌ ليكون تأويلًا. ومعنى القطعة الثانية كما ذكره الآخرون. وبهذا الطريق حصل الجواب عن الحديث مع بقاء موافقتهم في الشرح. ومن ههنا ظهر الجوابُ عما أُورِدَ على زفر رحمه الله تعالى فإن له أن يقول: يقتل لِخَفْره ذمة المسلمين وإزالةِ عصمتِها لا أصالة.

ولي طريق آخر لم يسلكه أحدٌ، ويقتضي تمهيدَ مقدمة: وهي أن بيت الله كان تحت ولاية جُرْهم الذين تزوَّج فيهم إسماعيل ثم بقي كذلك في ذريتهم إلى زمان ثم تحول إلى يد خُزاعة، وليسوا بقريش، فإن لَقَبَ قريش شرع من قُصَيّ. واخُتِلف في خُزاعة أنهم كانوا مُضَرِيين أم لا؟ ثم لما صارت الولاية إلى قريش أخرجوا خزاعة ففروا إلى حوالي مكة وسكنُوا فيها، فعُلم منه أنه كانت عداوةٌ بين قريش وخُزَاعة من زمان طويل، فلما وقعَ صُلح الحُدَيْبِيَة دخل بنو خُزاعة في العهد مع النبي صلى الله عليه وسلّم وكان النبي صلى الله عليه وسلّم ارتضع فيهم ودخل بنو بكر أو بنو ليث - هكذا يشك الراوي - مع قريش.

ومضى عليه زمان حتى وقعت حربٌ بين بني خُزَاعة وبين بني بكر حليف قريش فأعانهم قريش على خلاف المُعَاهدة ونقضوها وقتلوا رجلًا من خزاعة، فجاء خزاعةُ وافدين إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وقد أخبره الله سبحانه عنهم قبل مجيئهم وكان يتوضأ وهو يقول: «سأنصر خزاعة». فسألته عائشة رضي الله عنها ممن تكلم يا رسول الله؟ قال: يجيء وَفْدُ خزاعة فلما جاؤا وقَصُّوا عليه القِصة وعدهم بالنُّصْرِة، وغزا قريشًا مع عشرة آلاف من صحابته وحاربهم من الطلوع إلى الغروب، وهي الساعة التي أَحلت له صلى الله عليه وسلّم فلما فتحت مكة أعلن النبي صلى الله عليه وسلّم بالأمن وكان رجل من بني بكر - أو ليث - يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ولا يدرى أنه كان يريد الإسلام أم لا؟ فقتلته خُزَاعة بقتيل لهم على بني بكر - أو ليث - كما كانت عادتُهم في الجاهلية، فأُخبرَ به النبي صلى الله عليه وسلّم فَرَكب راحلتَه مُغضَبًا وخَطَبَ: أن الله تعالى حبس عن مكة القَتْل أو الفيل». قال


= فقال: لعلهم سبُّوكَ وتواعدُوك قال: لا والله، لكني اخترت الدية، فقال علي: أنت أعلم. قال ثم أقبل علي رضي الله عنه على القوم فقال: أعطيناهم الذي أعطيناهم لتكون دماؤُنا كدمائهم، ودياتا كدياتهم، وهو مذهب عمر رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، قال ولا نعلمُ أحدًا من نظرائهم خالف ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>