للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٩٥٣ - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ «اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ». فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ. فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)} [القمر: ٤٥]. أطرافه ٢٩١٥، ٤٨٧٥، ٤٨٧٧ - تحفة ٦٠٥٤

وفيه وعدٌ بالألف. وما ألطفُ كلامَ الزمخشريِّ. حيث قال: إن قوله: {مُرْدِفِينَ} يُشْعِرُ بكون الآخرين خلفهم أيضًا، فَيُمْكِنُ أن يكونَ الألف أمامهم، وألفان رِدْفَهُمْ.

قوله: ({إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ}) ... إلخ، وكذلك النُّعَاسُ يُلْقَى عند الكيفيات الباطنية، كما كان يَطْرَأُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم عند نزول الوحي. ويُرْوَى أن عيسى عليه السلام أيضًا رُفِعَ في تلك الحالة (١).

قوله: ({وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}): أي وَسَاوِسَه.

٣٩٥٣ - قوله: (فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ. فَقَالَ: حَسْبُكَ) ... إلخ. وذلك (٢) لأنَّ أبا بكرٍ لم يكن زعيمَ هذا الأمر، فلم يَذُقْ من همِّه ما كان يَذُوقُه صلى الله عليه وسلّم ولم يَفْزَعْ كفزعه، وجعل يُسَلِّيه. وإنَّما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم صاحبَ الواقعة، فجعل يُلِحُّ على ربِّه حتَّى بُشِّرَ بالنصر. وإنَّما خَشِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مع وعد النصر، لأن المتكلِّمَ قد تكون في كلامه شروطٌ وقيودٌ، ولا يُدْرِكُهَا المُخَاطَبُ. ومن طريق الخاشع أنه لا يتشجَّعُ نظرًا إلى تلك القيود.

أَلَا ترى إلى أصحاب بدرٍ كيف بُشِّرُوا بالجنة، ثم هل رأيت أحدًا منهم جَلَسَ مُطْمَئِنًا اعتمادًا على البِّشَارة. وهل نَسِيتَ ما جرى بين أبي موسى، وعمر من الكلام. فإن عمر رَضِي بأن تكونَ أعمالُه بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم كَفَافًا، يَخْرُجُ عنها رأسًا برأس. فالمؤمنُ لا يَنْقَطِعُ عنه الخوفُ بحالٍ، وأمَّا الأنبياءُ عليهم السلام، فحالُهم أعلى وأرفعُ، وقد مرَّ تقريره ونظائره. ومن هذا الباب: كثرة ترداده صلى الله عليه وسلّم واضطرابه عند رؤية السحاب، مع كونه آمنًا من العذاب.

فائدةٌ مهمةٌ: واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم سمَّاه ربه أحمد، ولذا وقعت البِّشَارة بذلك


(١) قلت: وكما أُلْقِي على الصحابة عند اختلافهم في غسل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكلَّمهم مكلِّم: أن غسِّلُوه في قميصه. رواه البيهقيُّ في "دلائل النبوة". وأخرجه في "المشكاة" في الفصل الثاني من باب الكرامات.
(٢) قال الخطَّابيُّ: لا يَجُوز أن يتوهم أحدٌ أن أبا بكرٍ كان أَوْثَقُ بربِّه من النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، بل الحاملُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه، وتقوية قلوبهم، لأنَّه كان أوَّلَ مشهدٍ شَهِدَهُ، فبالغ في التوجُّه، والدعاء، والابتهال، لِتَسْكُنَ نفوسهم عند ذلك، لأنَّهم كانوا يَعْلَمُون أن وسيلتهم مستجابةٌ. فلمَّا قال له أبو بكرٍ ما قال كَفَّ عن ذلك، وعَلِمَ أنه اسْتُجِيبَ له، لِمَا وَجَدَ أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة. فلهذا عقَّب بقوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [القمر: ٤٥]. اهـ ملخَّصًا. كذا في "الفتح". قلتُ: وما ذكره الشيخُ ألطفَ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>