من النَّصَارى سأل مسلمًا: أن نبيكم لو كان صادقًا، فَلِمَ قتل ست مئة نفسٍ من اليهود؟ وأنا أَنْظُرُ ما يُجِيبُ، فرأيت المسلم عاجزًا عن الجواب، فَبَادَرْتُ إليه، وقلت له: وهل تُخْبِرُني أنه كم مرَّة عفا عنهم مع غدرهم، فما جزاهُ الغدر في شريعتكم؟ فسكت ثم قلتُ له: أخْرِجْ البابَ التاسعَ، أو السادسَ عشرَ من يوحنا، فَجَعَلَ يقرأ حتى إذا بَلَغَ على فارقليط، قلتُ له: من هو؟ قال: هو روحُ القُدُسِ. قلتُ له: وهل كان روحُ القُدُسِ يُقَارِقُهُ تارةً أو يلازمه كلَّ حينٍ، فما يقول عيسى عليه الصلاة والسلام: أن فارقليط لا يجيء ما لم أَذْهَبْ عنكم، فَبُهِتَ. ثم قلتُ: أنا أعلمُ بكتابكم منكم، فجعل يَسْتَفْسِرُني عن أشياءَ، وأنا أُجِيبُه. فلما دَنَا المنزل وانصرفت إليه، قام لي وأَكْرَمَنِي.
٤٠٣٣ - قوله:(هَلْ لَكَ في عُثْمَانَ) ... إلخ، وقد سَمِعْتُ منَّا مِرَارًا أن الكلامَ في فَدَكٍ لم يَكُنْ إرَّ في التولية، كما حقَّقه السَّمْهُوديُّ، لا في التمليك، والتملُّك. وإنما أراد من توليته أن لا يَصِيرَ الوقف مِلْكًا. وقد جرَّبنا أيضًا أن الوقفَ بعد السِّبْطَين يَنْقَلِبُ مِلْكًا للناس، فَأَحَبُّ أن يتولَّى هو بنفسه، ويَحْكُمَ فيه بحكم الله. وفي فِقْهِ الحنفية: أن الأَوْلَى بتولية الوقف ذُرِّيةُ الواقف، ما لَمْ تَظْهَرْ منهم خيانةٌ.
قوله:(فَاسْتَبَّ عَلِيُّ وعَبَّاسٌ): ولا غروَ في السِّبَاب بينهما، فإنه من طباع الناس منذ خُلِقَ الزمان: أن أحدَهما إذا خاصم صاحبه يَرْفَعُ الكلام، ويَخْفِضُ فيه، وتَحْدُثُ فيه شِدَّةٌ وغلظةٌ. وليس من الطريق الصحيح أن يُقْطَعَ النظرُ عن الخارج، فقد وَقَعَ بين الصحابة أيضًا ما يَقَعَ بيننا، فإنهم كانوا بشرًا. نعم لم يكن نزاعُهم وسِبَابُهم لطمعٍ، أو هوىً، بل كان ابتغاءً لوجه الله تعالى، وتتبُّعًا لرضاه، بخلافُه فينا، وهذا هو الفرق.
وقد شَغَبَ الشيعةُ - خذلهم الله - في أمر فَدَكٍ، وطَعَنُوا في أبي بكرٍ، ولم يَهْتَدُوا أن أبا بكرٍ إن كان أَبَى على فاطمةَ أن يَرُدَّ إليها ميراثها من أبيها، لذلك لم يَكُنْ برأيه، بل كان عنده فيه حديثٌ قَبْلَهُ كلُّهم، فأيُّ ذنبٍ أَذْنَبَهُ؟ ثم اتَّبعه في ذلك عمر في خلافته. ثم ما أجابه على عليٌّ حين أنشده بالله: أعمل بالتقية عند ذلك أيضًا، أو حَالَ الجريضُ دون القَريض - والعياذ بالله - أم كان وَافَقَهُ. ثم ماذا عَمِلَ فيه إذا اسْتُخْلِفَ هو بنفسه؟ فماذا بعد الحقِّ إلَّا الضلال؟!.
وأمَّا عدم كلام فاطمة إيَّاه حتَّى ماتت، فالمرادُ منه كلامها في أمر فَدَكٍ، أو أنه لم يتَّفِقْ له ذلك. فلو سلَّمنا مَوْجِدَتَهَا عليه، فلَهُ العذرُ أيضًا، كما عَلِمْتَ، على أنه لم يُهَاجِرْهَا. فإن هَاجَرَتْهُ، فقد هَاجَرَتْهُ هي، فلا طَعْنَ على أبي بكرٍ بحالٍ.
٤٠٣٤ - قوله:(أَفَاءَ اللَّهُ)، أي صَرَفَهُ اللَّهُ إليكم. وما أَوْجَفْتُم أنتم عليه رِكَابَكُم،