١١٧ - قوله:(عن ابن عباس) إنما سنه عباس ليرى صلاةَ ليله صلى الله عليه وسلّم ولاستيفاء دينه منه، لما كانت جرت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلّم معاملة للدين، فكان يستقرض منه ويصرفه في مصارف الزكاة، ثم يؤديه إذا جاء عنده من مال الزكاة. واعلم أنه اخُتلف في عدد ركعات صلاة ليله صلى الله عليه وسلّم تلك، فقيل إنها إحدى عشرة وقيل ثلاث عشرة، ولم يترجح واحد منهما.
قوله:(فصلى أربع ركعات ... إلخ) وفهم الحافظ أنها قطعة من صلاة ليله صلى الله عليه وسلّم والركعتان الأخيرتان كانتا سنة الفجر. وعندي هي سنهُ بعدِية للعشاء. وصرح الشيخ ابن الهُمام رحمه الله تعالى بأن المؤكَّدة وإن كانت هي الركعتان، إلا أن الأربع أيضًا مأثور بعد العشاء. وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قال: سألت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت: ما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد العشاء إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات (١).
والتحقيق عندي: أن الراوي جمع فيه قِطعتين من صلاته صلى الله عليه وسلّم فذكر السنة البعدية وخَمْسًا من صلاة الليل، وحذف منها الباقي كما هو مصرح عند أبي داود عن سعيد بن جبير. فجاء فصلى أربعًا ثم نام، فهذه هي السنة البعدية، ثم قام يصلي ... فصلى خمسًا. وعند أبي داود: فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن ... إلخ، فصارت تلك إحدى عشرة ركعة صلى ثمانية منها في سلسلة وخمسة في سلسلة أخرى. فاقتصر الراوي على إحدى السلسلتين وترك الأخرى.
أما الاستدلال بقوله: أوتر بخمس ... إلخ على خلاف وِتْرية الثلاث فليس بناهض، بل يُبنى على خفاءِ حقيقة صلاته صلى الله عليه وسلّم في تلك الليلة. فاعلم أن صلاته صلى الله عليه وسلّم في تلك الليلة على ما يظهر من الروايات كانت هكذا: أربع ركعات، وثمان ركعات، وخمس ركعات، وركعتين. والأرجح عندي في الأربع أنها كانت سنة بعد العشاء كما مر، فمجموع صلاة ليله: ثلاثة عشر، والركعتان سنة الفجر. فصلى ثماني منها في سلسلة، وخمسًا أخرى في سلسلة، يعني صلى ثماني ركعات، ركعتين ركعتين ولم يجلس بينهما للاستراحة، فصارت تلك سلسلة واحدة ثم جلس. وليست هذه الجلسة إلا جلسة الاستراحة، لا ما تكون في خلال الصلاة، ثم أتمها بخمسة أخرى، فصلى ركعتين من صلاة الليل وثلاثًا للوتر في سلسلة واحدة، ثم جلس جلوس الفراغ، ثم ركع ركعتي الفجر.
(١) قلت: وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا: أربع ركعات بعد العشاء يحاسبن بمثلهن في ليلة القدر لعله حديث آخر ولم يتيسر لي السؤال عنها أنها السنة البعدية أو صلاة مستقلة. حتى رحل الشيخ إلى جنة النَّعيم، فيمكن أن تكون الأربع هي هذه.