للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ. وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَيَّامَ خَيْبَرَ. أطرافه ٤١٢٥، ٤١٢٦، ٤١٢٧، ٤١٣٠ - تحفة ٢٩٧٩، ١٤٦٠٦

وعند البخاري، ومسلم عن أبي موسى: «أنها سُمِّيَت ذات الرِّقاع، لأنهم فَقَدُوا النِّعال، فَلَقُّوا أرجلهم بالرِّقاعِ». قلتُ: وذلك وإن كان صادقًا، لكن الأصوب: أن ذاتَ الرِّقاع جَبَلٌ، كما يُعْلَمُ من «معجم البلدان» للحموي، حيث يقول شاعرهم:

حتَّى إذا كُنَّا بذات الرِّقاع

والرقعة لونٌ خلاف لون الأصل، وكان الجبلُ في لونه سوادٌ وبَيَاضٌ، فَسُمِّي بذات الرِّقاع. والاعتمادُ في ذلك الباب على قول الشاعر أجدرُ وأحرى. ويُمْكِنُ أن يكونَ الأمران جميعًا، فلا تَعَارُضَ. وعند القفول منها وَقَعَتْ قصة شراء النبيِّ صلى الله عليه وسلّم من جابر بعيره، واشتهرت بليلة البعير. وقد عَلِمْتَ أنه لم يُرِدْ فيها الشراءَ حقيقةً، ولكنه أراد أن يُعِينَهُ على نوائبه، واختار صورةَ الشِّرَاء فقط. وفيها قصة صحابيَ كان في المرابطة مصلِّيًا، فرماه رجلٌ، فمضى في صلاته، ولم يَنْقُضْها، وفيها نَزَلَتْ صلاة الخوف: السنة الرابعة، وابتداء الخامسة.

واعلم أنه اخْتُلِفَ في تلك الغزوةِ أنها كانت قبل خَيْبَرَ، أو بعدها، وجَنَحَ البخاريُّ إلى كونها بعدها، وخَالَفَ فيه علماءَ السِّيَر كافةً، فإنها قبلها عندهم. ثم العَجَبُ أنه قدَّمها على خَيْبَرَ وضعًا، مع جنوحه إلى كونها بعدها.

قال الحافظُ (١): لا أدري هل تعمَّد ذلك تلسمًا لأصحاب المغازي، أو هو من تصرُّفات الرواة عنه. والمختارُ عندي: أن سفرَه صلى الله عليه وسلّم إلى ذات الرِّقاع وقع مرتين: مرَّةً قبل خَيْبَرَ في السنة الخامسة، ومرَّةً أخرى بعدها، في السابعة، كذا اختاره الحاكمُ في «الإِكليل».

ويُؤَيِّدُهُ ما عند مسلم، عن جابر: «غَزَوْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم قومًا من جُهَيْنَة، فقاتلونا قتالًا شديدًا» ... إلخ، وجُهَيْنَةُ هم الذين قَاتَلُوا في غزوة ذات الرِّقاع، فَدَلَّ على ثبوت القتال. وفي البخاريِّ: «أنه لم يَكُنْ فيه قتالٌ»، فلا بُدَّ من القول بتعدُّد السفر. واختارُ الحافظُ وحدتها، كما في «الفتح»، و «تلخيص الحبير». والمحقَّقُ عندي ما ذَكَرْتُ، وما خالفته إلَّا بعد وضوح الحال عندي، ثم الاستخارات من ربي عزَّ وجلَّ.


(١) قال الحافظُ: لا أدري هل تعمَّد ذلك تسليمًا لأصحاب المغازي، أنها كانت قبلها، كما سيأتي. أو أن ذلك من الرواة عنه، أو إشارةٌ إلى احتمال أن تكونَ ذات الرِّقاع اسمًا لغزوتين مختلفتين، كما أشار إليه البيهقي ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>