حدثه ... ثم أوتر بثلاث، وفيه غَلطٌ من الكاتب إنما هو: مَخْرَمة بن سليمان عن أبي إسحاق، عن المنهال بن عمرو، عن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وفيه: حتى صلى ست ركعات وأوتر بثلاث. وعنه عند النسائي عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوتر بثلاث. وهو عند الطحاوي أيضًا.
فتحصل من هذه المتابعات أن وتر النبي صلى الله عليه وسلّم في تلك الليلة كانت هي الثلاث. وإنما ذكر معه الركعتين من صلاة الليل لأنهما كانتا صُليتا معه في سلسلة كما علمت. وستعلم إن شاء الله تعالى أن المطلوبَ في نظر الشارع أن يصلي الوتر مع شيء من صلاة الليل، وهو معنى قوله:«لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو سبع ... إلخ» فمعنى النهي عن الإيتار بالثلاث إفرازها عن صلاة الليل، والإيتار بها بدون أن يكون شيء قبلها. أما إذا كان قبلها ركعتان أو أربع ركعات، فقد خَرَجَ عن معنى النهي، لأن الوتر لما كانت لإيتار صلاة الليل، ناسب أن تكون قِطعة من صلاة الليل معها، ليظهر معنى الإيتار، وستعرف إن شاء الله تعالى.
وقال مولانا شيخ الهند محمود حسن رحمه الله تعالى: الركعتان مع الوتر ليستا قِطعة من صلاة الليل، بل هما اللتان تصليان بعد الوتر قاعدًا. وقد كان رحمه الله تعالى يُجري هذا الجواب في حديث عروة أيضًا. قلت: أم الأحاديث في الركعتين بعد الوتر فقد بلغت إلى الأربع وكلها صحاح، إلا أني لم أختر هذا التوجيه، لأن مالكًا رحمه الله تعالى أنكرهما ولم يخرج لهما في «موطئه» شيئًا، ورآه وهَمًا مخالفًا لقوله صلى الله عليه وسلّم «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» فإنه صريح في أن الوتر ينبغي أن يكون في آخر صلاة الليل، وحينئذٍ لو سُلِّم ثبوت الركعتين بعده لزم أن يكون الآخر هما هاتان، وتفوت آخرية الوتر. والبخاري رحمه الله تعالى وإن أخرجهما في كتابه إلا أنه لم يبوب على هذا اللفظ.
وقد تحقق عندي: أن البخاري رحمه الله تعالى إذا يخرج لفظًا ويكون فيه ضعف عنده لا يُترجم عليها، فهذا أيضًا دليلٌ على ضعف في المسألة عنده. ثم إن السلف أيضًا كانوا مختلفين فيها، فحملها على هاتين الركعتين، وإن كان ممكنًا في حديث ابن عباس رضي الله عنه، إلا أني تركته لما علمت آنفًا. أما في حديث عُروة فحملُها على هاتين الركعتين مُشكلٌ، فإن عروةَ ممن ينكرهما رأسًا كما هو في «قيام الليل» للمروزي، فهاتان غير ما في حديث عروة قطعًا. إن أمكن حملهما عليهما في غير حديثه، إلا أني لمّا لم أحملُهما في حديث عروة على الركعتين بعد الوتر لما علمت، وجعلتهما من صلاة الليل. لهذا المعنى أحببتُ أن تكون شاكلةُ الجواب في كلها واحدة، وإن أمكن الحملُ عليهما في حديث ابن عباس رضي الله عنه.
أما المسألة في هاتين الركعتين فإنهما جائزتان عندي، غير أنهما تصليان قاعدًا. وقد اتضحت لي حكمةُ القعود أيضًا، وهي: إبقاء آخرية الوتر ولو بوجه، فإنها وإن فاتت صورةً ناسب أن لا تفوت معنى أيضًا، فحرفهما عن شاكلة الصلاة التي صليت قبلهما، لتصير صلاة متميزةً مستقلةً ممتازةً عما قبلها ويبقى الوتر آخرًا فيما جعل لها آخرًا، وهي صلاة الليل. وأما الركعتان بعدها فكأنها صلاة أخرى لم يقصد تأخير الوتر عنها. ولما كان القعودُ فيها لتغيير