للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (فأصاب عين ركبته) المصاب بسيفه شهيد عندنا في الآخرة لا في الدنيا، بخلافه عند الشافعية.

قوله: (أو ذاك، أي تغسلوها بعد الإراقة). وفيه دليل على أنه لا يلزم أن يكون كل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبًا، وخلافه حرامًا. ألا ترى أنه أمرهم أولًا بكسر القدور، فلما سألوه أن يهريقوها ويغسلوها مكان الكسر أجازهم به أيضًا.

قوله: (فإنها رجس) فيه دليل على أن النهي كان لنجساته، ومع هذا ذهب بعضهم إلى أن النهي عنه كان لعدم القسمة.

قوله: (جاءه جاء، فقال: أكلت الحمر؟ فسكت)؛ قلت: لا دليل في سكوته برهة على أنه كان جائزًا عنده أولًا، ثم نسخ، وحرم، فإن ضاق به صدرك، فقل: إنه كان أباح لهم أولًا، لما رأى بهم من الفاقة، والمخمصة، ثم نهاهم، فلا دليل فيه على إباحته مطلقًا.

فائدة: وقد سمعتم أن المسائل لا ينبغي أن تؤخذ من ترتيب العبارة، ولو من القرآن، كما فعلوه في قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} الخ، فإن اختلاف الشافعية، والحنفية فيه يبنى على الترتيب فقط، وكذلك في قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وذلك لأن استخراج الأحكام من ترتيب الآيات من المحتملات عندي. ومن هذا الباب ما نحن فيه من الحديث (١).

قوله: (فجعل عتقها صداقها (٢)) والعتق لا يصلح مهرًا عندنا لأنه تفويت للمالية،

وليس بمال، ولئن سلمناه فهو من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، فإن النكاح بدون المهر كان جائزًا له، وقد يستدل له من قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} والصواب (٣) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمهرها، وأعتقها، ولكنها


(١) ولم أحصل الكلام من هذا المقام، وكانت المذكرة غير واضحة.
(٢) قال الخطابي: قد ذهب غير واحد من العلماء إلى ظاهر هذا الحديث، ورأوا أن من أعتق أمة كان له أن يتزوجها، بأن يجعل عتقها عوضًا عن بضعها، وممن قال ذلك سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والزهري، وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ ويحكي ذلك أيضًا، عن الأوزاعي، وكره ذلك مالك بن أنس، وقال: هذا لا يصلح، وكذلك قال أصحاب الرأي، وقال الشافعي: إذا قالت الأمة: أعتقني على أن أنكحك، وصداقي عتقي، فأعتقها على ذلك، فلها الخيار في أن تنكح، أو تدع، ويرجع عليها بقيمتها، فإن نكحته ورضيت بالقيمة التي له عليها، فلا بأس، اهـ.
(٣) ويقربه ما ذكره الخطابي عن بعضهم، قال وقال بعضهم معناه: إنه لم يجعل لها صداقًا، وإنما كانت في معنى الموهوبة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مخصوصًا بها، إلا أنها لما استبيح نكاحها بالعتق صار العتق كالصداق لها، وهذا قول الشاعر:
وأمهرن أرماحا من الحظ ذبلا
أي استبحن بالرماح، فصرن كالمهيرات، وكقول الفرزدق:
وذات حليل أنكحتنا رماحنا ... حلالا لمن يبنى بها لم تطلق
قلت: ونظيره ما أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه عن وائل بن الأسقع، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تجوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذى لاعنت عنه، اهـ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>