٤٤٤٩ - قوله:(ثمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: في الرَّفِيقِ الأَعْلَى) واعلم أن عبادةَ الأنبياء عليهم السَّلام ليس فيها تشبيهٌ محضٌ، كعبدة الأصنام، ولا تجريدٌ صِرْفٌ، كالفلاسفة، فهي بين التعطيل الصِّرْف، والتشبيه البحث، فكان يُشِيرُ عند دعائه إلى التجريد أيضًا. واعلم أنه مرَّ في هذا الحديث:«رفع يده، أو إصْبَعَه، ثم قال: في الرفيق الأعلى»، وفيه فائدةٌ مهمةٌ ينبغي الاعتناء بها، وهي: أن فيه إشارةً إلى أن رفعَ الإِصْبَع أيضًا من صورالدعاء. ولذا عدَّه الشيخُ ابن الهُمَام صورةً من صورها، فجوَّزه في شدَّة البرد. وعند الترمذيِّ في باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي في المنبر في الدعاء:«أن بِشْرَ بن مروان خَطَبَ، فَرَفَعَ يديه في الدعاء، فقال عُمَارَة: قَبَحَ اللَّهُ هاتين اليدين القصيرتين، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم وما يَزِيدُ على أن يقولَ هكذا: وأَشَارَ هُشَيْمٌ بالسَّبَّابَةِ». اهـ.
وحَمَلَهُ بعضُهم على أن الرفعَ كان للتفهيم على ما عَرَفُوه من عادة الخُطَبَاءِ، وذلك لعدم علمهم بكونه صورةً من صور الدعاء أيضًا، لفقدان العمل وانقطاع التعامل. والصوابُ عندي أنه كان للدعاء، كما بوَّب به الترمذيُّ، وكذلك عند البيهقيِّ كيف! وفي الحديث تصريحٌ بأن الرفعَ كان للدعاء. ولَيُحْفَظْ لفظ الترمذيِّ، فإن فيه تصريحًا بذلك.
ثم إنه نُقِلَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم رفع إصْبَعَهُ حين وُلِدَ، وقال:«الله أكبر». ولمَّا تُوُفِّي رفعها أيضًا، وقال:«اللهم الرفيق الأعلى»، فَنِعْمَتِ البدايةُ، ونَعِمْتِ النهايةُ. حيث ذَكَرَ في كلِّ حالٍ ما نَاسَبَهُ، فإن المناسبَ لأوَّل حاله كان بيان الكبرياء، لأنه لذلك وُلِدَ وكان الأليقُ بآخر شأنه الدعاءَ عند مليكه، لأنه أوان لقائه - تبارك وتعالى - فَعَمِلَ بقوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)} [الشرح: ٧ - ٨].
٤٤٥٢، ٤٤٥٣ - قوله:(أَمَّا المَوْتَةَ التي كُتِبَتْ عَلَيْكَ، فَقَدْ مُتَّهَا)، مجهولًا مع ضمير المفعول به، وهو الطريقُ في الفعل اللازم إذا جُعِلَ متعدِّيًا بنحوٍ من التجوُّز.
٤٤٥٨ - قوله:(لا يَبْقَى أَحَدٌ في البَيْتِ إلَّا لُدَّ)، وإنَّما استثنى منه العبَّاسَ، إمَّا لكون عمِّ الرجل صِنْوَ أبيه، أو لكونه لم يَشْهَدْهَا، كما في الحديث أيضًا. ثم إنه لم يَنْكَشِفْ لي سرُّ الأمر باللُّدُود، حتى رأيتُ حكايةً عن شيخٍ: أن غلامًا كان يَحْضُرُ مجلسه، فَيَسْخَرُ منه، ويُسِيءُ الأدب بشأنه. وكان الشيخُ يَصْبِرُ عليه، ويتحمَّلُ أذاه، ولا يقول له شيئًا. فلم يَزَلْ ذلك طريقُه حتَّى جاءه مرَّةً، ولَطَمَ الشيخَ لَطْمَةً، فقام الشيخُ فَزِعًا، وقال لجلسائه: الطموه من ساعته، فأبطؤوا فيه، فلم يَلْبَثْ الغلامُ أن مات. فقال لهم الشيخُ: إن دَمَهُه عليكم، هلاّ تَسَارَعْتُم إلى ما كنتُ أمرتكم به، ولو فَعَلْتُم لَمَا مات الغلامُ. وذلك لأنه كان يفعل بي ما قد رأيتم، ولكنه لمَّا لَطَمَني اليومَ قامت غيرة