للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكاية: تدلُّك على شِدَّة عنايةِ أئمةِ النَّحْو، وَوَلُوعِهم بالتفسير.

اجتمع الزَّجَّاج مع المُبرّد مرةً، وكان الزجَّاج صنَّف تفسيرًا، فسأله المبرِّد عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: ٢٣] ما الرَّبْطُ بين الجُمْلتين؟ وهو وإنْ لم يكن ضَرُوريًّا في القرآن، لكنه ضَرُوريّ في مِثْل هذا المَوْضع، لأنه يَعُود كالجَمْع بين الضبِّ والنون. فهذا يدلُّ على أنهم كانوا يَهْتَمُّون بِمُشْكلات القرآنِ، وكانوا يعرِفُونها، ولذا سأل المبرِّد عن أَشْكل آيةٍ في هذا الباب، ثُم لا أدري ماذا أجاب عنه الزَّجَّاج، غير أني كتبت فيه شيئًا من عند نفسي.

ومِن أهم ما نريدُ أن نُلقي عليك معنى التفسيرِ بالرأي، وقد بحثوا فيه بين مُطْنب ومُوجِز، مُكْثر ومُقلّ، غير أنه لا يرجع إلى كثيرِ طائل، فلم نر في نَقْله فائدةً، فدونك عِدَّة جُمَل: أنَّ التفسيرَ إذا لم يوجِب تغييرًا لمسألة، أو تبديلًا في عقيدة السَّلَف، فليس تفسيرًا بالرأي، فإِذا أوجب تغييرًا لمسألةٍ متواتِرةٍ، أو تبديلًا لعقيدةٍ مُجْمَعٍ عليها، فذلك هو التفسيرُ بالرأي، وهذا الذي يستوجِب صاحبه النَّار، ولا تتحصَّل على ما قلنا، إلَّا بعد الإطِّلاع على عاداتِ أصحابِ التفاسير. وحينئذٍ لا قَلَق فيما فَسَّره المفسِّرون من أذهانهم الثاقبة، وأفكارِهم الصحيحة. ومَنْ يطالع كُتُب التفسير يجدها مشحونةً بالتفسير بالرأي، ومَنْ حَجَر على العلماءِ أن يُبْرِزُوا معاني الكتاب بعد الإِمعان في السياق، والسباق، والنظر إلى حقائق الألفاظ، ومراعاة عقائد السَّلَف، بل ذلك حَظُّهم من الكتاب، فإِنَّهم هم الذين ينظرون في عجائبه، ويَكْشِفون الأستارَ عن وجوه دَقائقه، ويرفعون الحُجُبَ عن خبيئات حقائقه، فهذا النوعُ من التفسير بالرأي حَظُّ أُولي العِلْم، ونصيبُ العلماء المستنبطين، أما مَنْ تكلَّم فيه بدون صِحَّة الأدوات، لا عِنْده عِلْم من كلام السَّلَف والخَلَف، ولا له ذُوْقٌ بالعربية، وكان من أجلاف النَّاس، لم يَحْمِلْه على تفسيرِ كتابِ الله غيرُ الوقاحة، وقِلَّة العلم، فعليه الأَسف كلّ الأَسف، وذاك الذي يستحقُّ النَّار.

ثُم اعلم أنَّ تفسيرَ المُصنِّف ليس على شاكلةِ تفسير المتأخِّرين في كَشْف المُغْلقات، وتقرير المسائل، بل قَصَد فيه إخراجَ حديثٍ مناسِبٍ متعلِّقٍ به، ولو بِوَجْه، والتفسير عِنْد مُسْلم أقلُّ قليل، وأَكْثَرُ منه عند الترمذي، وليس عند غيرِهم من الصحاح الستِّ، ولذا خُصَّت باسم الجامع، وإنما كَثُرت أحاديثُ التفسير عند الترمذي، لِخِفّة شَرْطه. أما البخاريُّ فإِنَّ له مقاصِدَ أخرى أيضًا، مع عدم مبالاته بالتَّكْرار، فجاء تفسيرُه أبسطَ من هؤلاء كلِّهم.

قوله: ({الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ})، قيل: الأَوَّل أَبْلَغ من الثاني. وقيل: إن الأَوَّل عَلَمٌ بالغَلَبة؛ والثاني صفةٌ. قلتُ: إنَّ «الرحمن مهما وَجَدْناه في القرآن لم نجد معه مُتَعلَّق يتعلَّقُ به، بخلاف «الرحيم» قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥] فلم يذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>