للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ({لِمَا يُحْيِيكُمْ}) [الأنفال: ٢٤] فتعليمُه يُورِثُ الحياةَ.

قوله: (أَعْظَمُ السور) وفي نسخةٍ: «أعظم سورة». واختلفوا في الفَرْق بين أَفْضَل رجل، وأَفْضل الرِّجالُ، فقال جماعةٌ: إنهما سواءٌ، أقول: لا، بل في قوله: أَفْضَلُ رَجُلٍ من الاستقصاء ما ليس في أفضل الرِّجال، فإِنَّ الفَضْل في الأَوَّل على كلِّ رَجُلٍ رَجُل، فهو أَشْمل من الثاني، فإِنَّ الفَضْل فيه على المجموع، وراجع له شَرْح الرَّضِي على «الكافية».

ثُم إنَّ في إطلاقِ أَعْظَم السُّوَر على الفاتحة سِرًّا، وهو أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أرادَ به نَحْوَ تلافٍ لما ينشأ من سياق القرآن، فَإِنَّه قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] عطف القرآن العظيم على الفاتحةِ، فدلَّ على التغايُر، وخرجت الفاتحةُ عن كَوْنها قُرآنًا عظيمًا، فأَزَاحه أنَّ الفاتحةَ أَعْظَمُ السُّورِ، لا أنها خَرَجت بهذا الإِطلاقِ عَنْ كَوْنها قُرآنًا، كما يُوهِمُه التقابُلُ، وضلَّ مَنْ أراد أَنْ يُنْكِر كَوْنَ الفاتحةَ قُرْآنًا، لئلا يَرِد عليه قولُه تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] وكان الحديث سيق على رغم هؤلاء، ثم إنَّ في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ} ... إلخ، إشارةٌ إلى الفاتحةِ وضَمِّ السورةِ، فإِنَّه ذَكَر أوَّلًا السَّبْع المثاني، وهي للفاتحة، ثُم القرآنَ العظيم، وهو سائر السُّوَر، فتنضم معها على سبيل التبادل. وترجمة الآية عندي "هم نى دين تجهكو سات آيتين جو ورد كردنى هين اور وظيفه بناينكى لائق هين أور ديا قرآن عظيم" (١).

قوله: ({آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] الذي أُوتِيتُه)، اختلفوا في شَرْح قوله: {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} ... إلخ، أي في الحديث، أما الكلام فيه في الآية، فكما هو في محله، فقيل: إنه مبتدأ وخَبر. والمعنى أن ما أُوتيته هو القرآنُ العظيم. فالجملةُ الأُولى مناسِبةٌ للباب. والثانية الستطراديةٌ. وقيل: إنَّ السَّبْعَ المثاني هو القرآنُ العظيم، ففيه إطلاقُ القرآنيةِ على الفاتحة، وليس بِمُرَادٍ عندي.


(١) قلتُ: وسَمِعْتُه مرة، قال: إن في المثاني إشْعارًا بتَكْرارها في كلِّ صلاة، فلا تكونُ أَقلُّ الصلاةِ إلَّا ركعتين، لأن تكْرارها في ركعةٍ غيرِ معهود، وكذا عُلِم من سياقها تعيينُ الفاتحة، وكذا ضَمّ السورة معها، وهذه المسائلُ كلُّها أقربُ إِلى مذهب الحنفية.
يقول العبد الضعيف: قبل الخطَّابي في قوله: "هي السَّبْع المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيته"، دلالةٌ على أن الفاتحةَ هي القرآنُ العظيم، وأنَّ الواو ليست بالعاطفة التي تَفْصل بين الشيئين، وإنما هي التي تجيء بمعنى التفصيل، كقوله: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: ٦٨]، وقوله: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] انتهى، وفيه بَحْثٌ لاحتمال أن يكونَ قوله: {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} محذوفُ الخبرِ، والتقدير ما بعد الفاتحة مثلًا، فيكون وَصْف الفاتحة انتهى بقوله: هي السَّبْع المثاني، ثم عطف قوله: {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} أي ما زاد على الفاتحةِ، وذَكَر ذلك رِعاية لِنَظم الآيةِ، ويكون التقديرُ: {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} هو الذي أُوتيته، زيادةٌ على الفاتحة، كذا في "الفتح".

<<  <  ج: ص:  >  >>