(١) قلتُ: وقد يخطر بالبال أنَّ الله سبحانه إنما زَوَّجها في السماء، وتكفل بنكاحها لأمْرين: الأول: لما فيه من تلافٍ لجفاء زيد عليها، مع أنها قد كانت رضيت بالنكاحِ لأمْر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما آثَرَت هي رضاءه على رضائها، كافأها اللهُ بما كان أحْسنَ لها من الدنيا وما فيها، كما استرجعت أُمُّ سَلَمة بعد وفاةِ زوجها، فعوضها اللهُ بما لم تكن نَفْسُها توسوس إليها أبدًا، وهو التزوج بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. والثاني: أنَّ فيه غايةَ إكرامِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإِنه لما كانت نَفسُه تشمئزُّ منه نظرًا إلى عادةِ العرب، وقد كانوا يبتغون له مطعنًا يطعنون به، ليصدوا الناسَ عن ذِكْر اللهِ، فالله سبحانه زَوَّجه إياها، وتولى بنفسه لئلا يتجشم هو لمباشرة العقد، ويظهر أنه لم يتقدم إليه، ولكنَّ مولاه وربّه زَوَّجه، فرضي به. وهذا كما ترى بين الناس، أن الأب إذا رأى في أَمْرِ مصلحةً لابنه يمضي فيه، ويباشره بنفسه، ولا يترقب إلى مباشرة الابن بنفسه، ولا يجبره عليه أيضًا، فإِنه يكون أعلمَ بعاقبته، والله سبحانه أعظم، وأوفر شفقة، وأكثر حقًا، فهو أحق به، بل لا حق إلا لله سبحانه جل وعز، والله تعالى أعلم بالصواب.