قال:«العُزّى» بضم أوله في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)} اللات: صنم كان لثقيف، والعزَّى: سَمُرة كانت لغَطَفَان يعبدُونها، وكانوا بَنوا عليها بيتًا، وأقاموا لها سَدَنةً، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلّم خالدَ بنَ الوليد إليها، فهدم البيتَ، وأحرق السَّمُرة. والعزَّى تأنيثُ الأَعَزّ، مِثْل الكبرى تأنيثُ الأكبر. والأَعزّ بمعنى العزيز، والعُزّى بمعنى العزيزة ..... وقال ابن حبيب: العُزَّى شجرةٌ كانت بنخلةٍ، عندها وَثنٌ تعبدُه غَطَفان، وسَدَنَتُها من بني حرمة بن مُرّة .... قال أبو المُنْذر - بعد ذِكْر مَناة، واللاّت: ثُمّ اتخذوا العُزّى، وهي أحدثُ من اللاّت، ومَناة. وذلك أني سَمِعْتُ العرب سَمْت بها عَبْد العُزّى، فوجدت تَمِيم بنَ مرّ، سَمّى ابنه زيدَ مَناة بنَ تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة، وعبد مَناة بن أدّ. وباسم اللات، سَمّى ثعلبة بن عكابة ابنه تيم اللات؛ وتيم اللات بن رفيدة بن ثور، وزيد اللات بن رفيدة بن ثور بن وبرة بن مر بن أد بن طابخة، وتيم اللات بن النمر بن قاسط؛ وعبد العُزّى بن كعب بن سعد بن زيد مَناة بن تميم. فهي أَحْدَثُ من الأولين.
وعَبْد العُزَّى بن كعب من أقدم ما سُمّت به العرب، وكان الذي اتخذ العُزَّى ظالم بن أسعد، كانت بوادٍ من نخلةِ الشامية، يقال له: حواض، بإِزاء الغمير، عن يمين المصعد إلى العراق من مكة، وذلك فوق ذات عِرْق إلى البستان بتسعة أميال، فبنى عليها بسًا - يريد بيتًا - وكانوا يسمعون فيه الصَّوْتَ، وكانت العرب وقُريش تسمّى بها عبد العُزَّى، وكانت أعظمَ الأصمان عندَ قُريش، وكانوا يَزُورُونها، ويهدون لها، ويتقرَّبون عندها بالذبائح.
قال أبو المُنْذر: وقد بَلَغنا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ذكرها يومًا، فقال: لقد اهتديت للعُزَّى شاة عفراء، وأنا على دين قومي، وكانت قريشٌ تطوفُ بالكعبةِ، وتقول: واللاّت والعُزّى، ومَناة الثالثة الأُخْرى. فإنهن الغَرَانِيقُ العُلَى، وأنَّ شفاعَتَهن لَتُرتَجى، وكانوا يقولون: بنات الله عز وجل، وهن يَشْفَعن إليه، فلما بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلّم أُنزل عليه: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} ما أنزل الله بها من سلطان، وكانت قريشٌ قد حمت لها شعبًا من وادي حراض، يقال له: سقام، يضاهئون به حَرَم الكعبةِ، وقد ذكر سقام في موضعه من هذا الكتاب؛ والعُزّى، يقول درهم بن زيد الأوسي:
إني وربِّ العُزّى السعيدة والله الذي دون بيته سرف
وكان لها مَنْحَرٌ يَنْحَرُون فيه هداياهم، يقال له: الغَيْغَب، وقد ذكر في موضعه أيضًا، وكانت قريشٌ تخصصها بالإِعظام، فلذلك يقول زيد بن عمرو بن نفيل. وكانت قد تألّه في الجاهلية، وترك عبادتها وعبادة غيرها من الأصنام: