ثُمّ ضربها فقلق رأسها، فإِذا هي حممة، ثُم عَضَد الشجر، وقتل دبية السّادِن، وفيه يقول أبو خراش الهُذلي، يرثيه:
*ما لدبية منذ اليوم لم أره ... وسط الشروب ولم يلمم ولم يطف
*لو كان حيًا لغاداهم بمترعة ... من الرواويق من شيزى بنى الهطف
*ضخم الرماد عظيم القدر جفنته ... حين الشتاء لحوض المنهل اللقف
قال هشام: يطف من الطوَفان، أو من طاف يطيف، والهطف: بطن من عمرو بن أسد. واللقف: الحوض المنكسر الذي يغلب أصله الماء، فيتثلم يقال: قد لقف الحوض، ثُم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فأخبره قال: تلك العُزّى، ولا عُزّى بعدها للعَرَب، أما إنها لن تعبد بعد اليوم، قال: ولم تكن قريش بمكّة، ومن أقام بها من العرب يعظمون شيئًا من الأصنام إعظامَهُم العُزّى، ثُم اللاّت، ثُم مناة. فأما العُزّى فكانت قريشٌ تَخُصّها دون غيرِها بالهدية والزيارة، وذلك فيما أظن لِقُرْبها كان منها. وكانت ثِقِيف تَخُصّ اللاّت كخاصّة قريش العُزّى، وكانت الأوس والخزرج تَخُصّ مناة، كخاصة هؤلاء الآخرين، وكلهم كان مُعظِّمًا لها، ولم يكونوا يرون في الخمسةِ الأَصنام التي دفعها عَمْرو بن لحي، وهي التي ذَكَرها الله تعالى في القرآن المجيد، حيث قال:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} كرأيهم في هذه، ولا قريبًا من ذلك، فظننت أنَّ ذلك كان لِبُعْدها منهم، وكانت قريش تُعظِّمها، وكانت غنى وباهلة يعبدونها معهم، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد فقطع الشجرة، وهدم البيت، وكسر الوثن، انتهى «معجم البلدان».
ولذا استتبعت السورة ذكرها، وإلاّ فلا مناسبة لِذِكْر هؤلاء ههنا.
٤٨٦٠ - قوله:(مَنْ حَلَف فقال في حَلِفِه: واللاّت والعُزَّى) أي مَنْ كان حديثَ عهد بالإِسلام مثلًا، فسبق إلى لسانِه هذا الحَلِف، فليكافئه بكلمةِ التوحيد.
قوله:(ومَنْ قال لصاحِبِه: تعال أُقامِرْك فليتصدَّق) قال الطحاوي (١) في «مُشْكِله»: إنَّ المراد من التصدُّق تصدُّقُ هذا المال الذي أخرجه للقِمار، فأوْلى له أن يصرِفه في
(١) قال الخطابي: "فليتصدق" أي بالمال الذي كان يريدُ أن يُقامِر به، وقيل: بصدقةٍ ما لِتُكفِّر عنه القول الذي جرى على لسانه. قال النووي: وهذا هو الصواب، وعليه يدلُّ ما في رواية مسلم، فليتصدق بشيء، اهـ "فتح الباري". ثم رأيت في "المعتصر" قال: فليتصدق بالقِمار، وذلك أن القِمار حرامٌ، وسبيلُ المتقامِرين إخراجُ كل من ماله ما يقامِرُ به، فأَمر أن يَصْرِف ما أخرجه للمعْصِيةِ في الطاعة التي هي قربةٌ إلى الله تعالى، ووسيلة لديه، ليكون ذلك كفارة لما حاول أن يَصرِف فيه مما هو حرام، لا أن يتصدّق من الحاصل بالقِمار، فإِنه حرام غير مقبول، له حُكْم الغُلول، وتسميتُه بالقِمار تسميةُ الشيء باسم ما قَرُب منه، كتسميتهم ابن إبراهيم ذَبِيحًا، ومثله كثيرًا، وحُكْم ما قامر به الردّ إلى صاحِبه، أو إلى وَرَثته، فإِن لم يقدر يتصدق به عنه، لا عن نفسه، والله تعالى أعلم.