(٢) قلت: وحديث عائشة يدل على أن الكَنِيف في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مبنيًا نحو القبلة، وإنما حوَّل بعد ما بلغه من الناس ما بلغ، والصحيح أنه حولته عائشة رضي الله عنها. لا يقال: إن حديث ابن عمر رضي الله عنه أدل على مذهب الشافعية، لأنه يدل على أن الكنيف في بيت حفصة كان مبنيًا قِبَلَ الشام، ويلزمُ للقاعِدِ عليه أن يستدبر القبلة، فثبت الجواز في البُنيان. قلت: وهل عندك فيه غير رؤية ابن عمر رضي الله عنه؟ وتلك أيضًا كانت مفاجأة مع كونه محجوبًا عليه بِلَبنَة، فكيف يصلُح لك أن تبني عليها مسائل الحل والحُرْمة، مع وجودِ حديث في الباب مسفرًا إسفارَ الصبح؟ فينبغي أن يرجع في مثل هذه المسائل إلى الأقوى والأنص والأصرح، وقد أقر ابن حزم وابن القيم: أن جمهورَ الصحابة والتابعين كانوا يختارون النهي مطلقًا وما نقله الحافظ رضي الله عنه من موافقة الجمهور إياه بعيد عن الصواب، إلّا أن يكون أراد من الجمهور جمهور الأئمة أي أكثرهم لا جمهور السلف. وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في "شرح الترمذي" أن الأقرب والأقوى في الباب مذهبُ الحنفية.