نَسْأَلَ - النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ». أطرافه ٢٢٧٦، ٥٧٣٦، ٥٧٤٩ - تحفة ٤٣٠٢
٥٠٠٦ - قوله:(قال: {الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ (٢)} هي السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ العَظِيمُ) ... إلخ. وقد ألقينا عليك في التَّفْسير أنه يقال لها: أُمُّ الكِتاب، لأنَّ الأُمَّ في اللُّغةِ هي الدجاجةُ التي تُقَرْقِرُ لتجمعَ إليها أفراخَها، ثُم قيل لِلِّواء: الأُمّ، لاجتماع الجيشِ إليها عند الكَرِّ والفَرِّ، فإِنَّه ينبغي في الحَرْب مكانًا يجتمعونَ إليه عند الضَّرُورةِ، ويكون مَرْجِعًا لهم عند الذهاب والإِياب، وعليه تسميةُ الفاتحةِ بأُمِّ الكتاب، فإِنَّ الكتاب يذهب منها ويَرْجِعُ إليها، فهي المَرْجِع، كاللواء والأُم.
أما في القراءة، فهو ظاهرٌ، فإِنَّها مُتعَيّنة، كأَنها في مَوْضِعها، وسائر الكتابِ يَنْضمُّ معها بَدَلًا، فكأَنَّها أُمٌّ للقراءة، حيث تبتدأُ السُّوَر منها، ثُم تَرْجِع إليها في الرَّكْعة الثانيةِ، ولذا سُمِّيت بالمَثاني، أي لكونها مُتكرِّرَةً متعينة، بخلاف سائر السُّور، فإِنَّها واجِبةٌ عندنا على التخيير، وهي الشَّاكلة في الأحاديثِ، فقال:«لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب فصاعِدًا»، وفي بعض الألفاظ:«وما تيسر»، فجعل الفاتحةَ واجِبةً بعينها، وسائر السُّوَر مُخَيَّرة، فعبر عنها بقوله:«فصاعدًا» تارةً، وبقوله:«ما تيسر» أُخْرى، وعليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)} [الحجر: ٨٧]، فعبَّر عن سائرِ الكِتابِ سواها بالقرآنِ العظيم، وعَبَّر عن الفاتحة بالسَّبْع المثاني، فكانت الفاتحةُ واجِبةً عَيْنًا، والقرآنُ العظيمُ واجِبًا مخيَّرًا، يقرأ منه ما تيسَّر. وحينئذٍ ففيه إشارةٌ إلى وجوبِ ضَمِّ السُّورَةِ أيضًا، لأَنَّك قد عَلِمت فيما مرَّ أنَّ ما قَبْل «فصاعدًا»، وما بعده يستويان في الوجوبِ وعدمِه، وعلى هذا وجوبُ السورةِ متعيّن في الحديث، لأن وجوبَ الفاتحةِ مما لا يُنْكر، والتسويةُ بين ما قَبْل «فصاعدًا» وما بعده مما قد اشتُهر، فلزِم الوجوبُ فيهما، غيرَ أنَّ الفاتحةَ واجبةٌ عَيْنًا، والسورةَ واجبةٌ بدَلًا، وإذا اتحدت شاكِلةُ القرآنِ والحديث، لزِم الاتحادُ بين مفادِ الشاكلتين أيضًا، وهو وجوبُ ضمِّ السورة.
ثُم إن في وَصْف الفاتحةِ بالمَثاني إشارةً إلى أنَّ الصلاةِ شَفْع، لأنَّه لما وَصَفها به، عَلِم أنها حيثما تُقْرأ تقرأ مكررةً، لَتتَّصِف بالمثاني، ولا تَكرارَ في ركعةٍ واحدةٍ اتفاقًا، فلا يكونُ أقلُّ الصلاةِ إلَّا مَثْنى، فكونُ الركعةِ صلاةً برأسِها منفيٌّ في نظر الشَّارع، وقد قَرَّرناه في الوِتْر بأبسطِ وَجْه، ثُم لما لم تكن في الثلاثيةِ رَكْعةٌ رابعةٌ، وضع العَقْدةَ على الثانيةِ، وختم على الثالثةِ. وقد مَرَّ معنا أن القرآنَ العظيمَ في نصِّ القرآنِ عبارةٌ عن سائرِ الكتاب غيرَ السَّبْع المثاني، بخلافه في الحديث، فإِنَّه ليس من باب عَطْف الخاصّ