قوله:(إنَّها لَتَعْدِل ثُلُثَ القُرْآن) والإِشكالُ فيه، والجوابُ عنه مشهورٌ، فإِنَّ المرادَ أنَّ ثوابَ:{قُلْ هُوَ اللهُ} الأَصْلي مع التضعيفي يساوي الثوابَ الأَصْلي لِثُلُثِ القرآن. أَما الثوابُ الإِنعامي لِثُلُث القرآنِ فيزيدُ عليه، بأَضعاف ذلك، وأَوَّل ما رأيت هذا الجوابَ في كلام القُرْطبي، وقد مرَّ عليه الدَّوَّاني أيضًا في «أنموذجة العلوم» وقَرَّرَه.
قلتُ: ولنوضِّح ذلك بِمثال، وهو أنَّ رجلًا استأجَر أَجيرًا، وقال له: أُعطيك أُجرةَ نحو عَشرةِ رِجال، فكما أنه لا يَفْهَم منه إلَّا أنه يُعْطي له ما يساوي أُجرةَ العشرةِ الأصلية، فكذلك فيما نحن فيه، لا يُعْطى له مِن قراءة:{قُلْ هُوَ اللهُ} إلَّا مِثْل أَجْر ثُلُث القرآن الأَصلي، إنما يستحقُّ أَجْرَه الإِنعامي إذا قرأ الثُّلُث في الخارج. وأما مَنْ قرأ:{قُلْ هُوَ اللهُ} ثلاثَ مراتٍ، فإِنَّه لم يقرأ في الخارج إلَّا هذه، ولم يقرأ ثُلُثَ القرآنِ، فكيف يحرز أَجْرَه الإِنعامي وإنما جَرى ذِكْر ثُلُث القرآنِ لبيانِ الحساب فقط، فأَجْرُه لا يكون إلا بِقَدْر عَمَلِه، ولم يعمل في الخارج، إلا أنه قرأ السورةَ ثلاثَ مراتٍ، فلا يستحقُّ إلَّا أَجْرَها، دون أَجْرِ ثُلُثِ القرآن التضعيفي، فإِنَّ التَّضْعيفَ إنما يُعتبر فيما خَرج من القوةِ إلى الفِعْل، ودخل في الوجود، ولم يَدْخل فيه غيرُ {قُلْ هُوَ اللهُ} فيعتبر تضعيفُها فقط، وأما ثُلُث القرآن فقط اعتبر لبيانِ الحساب فقط، ولا مغالطةَ فيما ذكرنا مِن مِثال المستأجر، لأَنَّ الأُجْرة هناك حِسِّيةٌ، يَعْلَمها كُلُّ أَحَد، بخلافِها فيما نحن فيه، فإِنَّها معنويةٌ، فالتُبس الحال، وأوهم أنه يحرز أَجْرَ ثُلُثِ القرآنِ مُطْلقًا. وصَنَّف ابنُ تيميةَ في حَلِّ مِثْل هذه الأحاديثِ كتابًا مستقلًا.